للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد الأمة في القدر إلى أمرين هما سبب السعادة:

الإيمان بالأقدار فإنه نظام التوحيد، والإتيان بالأسباب التي توصل إلى خيره، وتحجز عن شرّه، وذلك نظام االشرع١.

وهذا كان الإنسان مهتدياً بسلوكه الطريق الموصل إلى السعادة، ضالاً بسلوكه طريق الشر. والهداية والإضالال من المسائل التي كان رأي البيهقي فيها مرتبطاً برأيه في أفعال العباد، حيث جعل هذه المسألة - أعني الهداية والإضلال - من الأمور التي ليس للعبد فيها اختيار، مستدلاً على ذلك بمجموعة من الآيات والأحاديث، حيث أورد قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه" ٢.

وأورد بعده قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} ٣.

وقال بعد ذلك: "وفيه وفي السنة دلالة على أن الله تعالى إن شاء هداهم وثبتهم، وإن شاء أزاغ قلوبهم وأضلهم"٤.

وهذا الكلام بظاهره هذا لا غبار عليه، إلا أنه أراد بذلك أن العبد ليس له عمل به يكون مهتدياً أو ضالاً، بناء على ما تقدم من أن قدرته لا تأثير لها في فعله، وليس الأمر كذلك بل العبد مهتد أو ضال بفعل نفسه الذي لا يخرج عن قضاء الله وقدره، فهو سبحانه يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء، فالهداية والإضلال فعله سبحانه وقدره، والاهتداء والضلال فعل العبد وكسبه.


١ شفاء العليل ص: ٥٧.
٢ الاعتقاد ص: ٦٦، وقد تقدم الحديث في ص: (٣٨٧) من هذا البحث.
٣ سورة آل عمران آية: ٨.
٤ الاعتقاد ص: ٦٦.

<<  <   >  >>