وقد اعترف الأشاعرة أنفسهم بعدم وجود فرق بين مذهبهم وبين مذهب الجبرية، ولهذا التزم بعضهم القول بالجبر، كما فعل عضد الدين الإيجي حين قال عند مناقشته للمعتزلة في موضوع الحسن والقبح العقلين: "لنا أن الحسن والقبح ليسا عقليين وجوهاً:
الأول: أن العبد مجبور في أفعاله...١.
ولا يختفى بطلان هذا المذهب، لأنه - مثل مذهب الجبرية - غلوّ في إثبات القدر بنفي صنع العبد أصلاً.
فالحق أن أفعال العبد من جملة مخلوقات الله وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، إلا أن هذا لا يلزم منه أن يكون العبد ليس فاعلاً حقيقة، ولا مريداً ولا مختاراً. لأن كلّ دليل صحيح يقيمه القدرة فإنما يدل على أن العبد فاعل لفعله حقيقة، وأنه مراد له، مختار له حقيقة وأن نسبته وإضافته إليه إضافة حق، ولا يدل على أنه غير مقدور لله تعالى، وأنه واقع بغير مشيئته وقدرته.
فإذا ضممت ما مع كل طائفة منهما من الحق إلى حق الأخرى، فإنما يدل ذلك على ما دل عليه القرآن وسائر كتب الله المنزلة من عموم قدرة الله، ومشيئته لجميع ما في الكون من الأعيان والأفعال، وأن العباد فاعلون لأفعالهم حقيقة، وأنهم يستوجبون عليها المدح والذمّ.