وبهذا التعريف تتبيّن لنا العلاقة بين مسألة القدر ومسألة أفعال العباد. فهذه الأخيرة جزء من تلك المسألة الشائكة. والبيهقي - رحمه الله - من مثبتي القدر، وقد ألف في إثباته كتاباً خاصاً، إلا أنني هنا أقصر الحديث على جانب واحد، وهو أهم جوانب هذه القضية ألا وهو الحديث عن خلق أفعال العباد.
وقبل أن أبدأ الحديث عن رأي البيهقي فيها أحبّ أن أبيّن الآراء التي اشتهرت حول هذه المسألة وهي عبارة عن رأيين متقابلين:
أحدهما: رأي الجهمية الجبرية.
وثانيهما: رأي المعتزلة القدرية.
١ - فأمّا الجبرية ورئيسهم جهم بن صفوان السمرقندي فزعمت أن التدبير في أفعال الخلق كلّها لله تعالى، وهي كلّها اضطراريّة كحركات المرتعش، والعروق النابضة، وحركات الأشجار، وإضافتها إلى الخلق مجاز، وهي على حسب ما يضاف الشيء إلى محله دون ما يضاف إلى محصله.
٢ - وأمّا المعتزلة فقابلت هؤلاء الجبرية إذ قالوا إن جميع الأفعال الاتحارية من جميع الحيوانات بخلقها، لا تعلق لها بخلق الله تعالى١.
أما البيهقي فإنه حينما تناول هذه المسألة بالحديث عنها فإنه - بما أورده من أدلة لتقرير ما ذهب إليه - يرد بذلك على المعتزلة الذين يقولون بما يخالف رأيه.