للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما المعتزلة فإنهم يقولون بخلق صفة الكلام ومنه الأمر فهو مخلوق، قال القاضي عبد الجبار:" وأما مذهبنا في ذلك فهو أن القرآن كلام الله - تعالى - ووحيه، وهو مخلوق محدث "١. ويستدلون بقوله - تعالى -: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} [النساء - ٤٧] على أن الأمر الذي هو كلام الله مخلوق٢.

وقد رد علماء أهل السنة على المخالفين في صفة الكلام وبينوا مخالفة أقوالهم للكتاب والسنة، وأصول لغة العرب. والذي يهم هنا هو الإشارة إلى ردهم على مخالفتهم في معنى الأمر، فمن ردهم على مذهب الأشاعرة ومن وافقهم:

أولاً: أن مجرد تصور هذا القول يوجب العلم الضروري بفساده، كما اتفق على ذلك سائر العقلاء، فإن أظهر المعارف للمخلوق أن الأمر ليس هو الخبر، وأن الأمر بالسبت لليهود ليس هو الأمر بالحج، وأن الخبر عن الله ليس هو الخبر عن الشيطان الرجيم٣.

ثانياً: أن من جعل كلام الله بأوامره ونواهيه وأخباره حقيقة واحدة، وجعل الأمر والنهي إنما هي صفات عارضة لتلك الحقيقة العينية، لم يجعل ذلك أقساماً للكلام الكلي، الذي لا يوجد في الخارج كلياً، إذ ليس في الخارج كلام هو أمر بالحج، وهو بعينه خبر عن جهنم، كما ليس في الخارج إنسان هو بعينه فيل، وإن شملهما اسم الحيوان. ومن جعل الحقائق المتنوعة شيئاً واحدا، فهو يشبه من جعل المكانين مكاناً واحداً، حتى يجعل الجسم الواحد يكون في مكانين، ويقول إنما هما مكان واحد، أو لا يجعل الواحد نصف الاثنين، أو يقول الاثنان هما واحد، وهذا كله نمط واحد وهو رفع التعدد في الأشياء المتعددة، وجعلها شيئاً واحداً في الوجود الخارجي بالعين، لا بالنوع٤.

ثالثاً: أن يقال إذا جاز لكم أن تجعلوا هذه الحقائق المختلفة حقيقة واحدة، وأن كونها أمراً ونهياً وخبراً إنما هي أمور نسبية لها، فيقال لكم هذا بعينه يلزمكم في الصفات؛ من العلم والقدرة والكلام والسمع والبصر، فهلا جعلتم هذه الصفات حقيقة واحدة، وهذه


١ - شرح الأصول الخمسة ص٥٢٨، وانظر: المغني ١/٢٨٤، شرح الأصول الخمسة ص٥٤٤.
٢ - انظر: شرح الأصول الخمسة ص٥٤٤.
٣ - انظر: التسعينية ضمن الفتاوى الكبرى ٥/١٧٥.
٤ - انظر: المرجع السابق ٥/١٧٥ - ١٧٦ بتصرف.

<<  <   >  >>