علومها في اللغة والأدب والدين والفقه والسيرة، واستطاعوا أن يخرجوا من بطون هذه الكتب نماذج من الأدب الوضيع والفكر المنحرف والعقيدة الفاسدة كالتصوف، والتركيز عليها وتوصيلها إلى المثقفين والدارسين من أبناء الأمة على أنها الإسلام، فكان وسيلة قوية لتلك الدول على الاحتلال العسكري والبقاء لفترات أطول في ديار المسلمين، والاستيلاء على ثرواتهم وتسخيرها في مصالحهم المعيشية والتقنية والعسكرية.
هذا بالإضافة إلى الدور الذي قام به هؤلاء المستشرقون في إفشاء روح الإقليمية والعنصرية بين المسلمين والتركيز على إثارة الفتن القومية بين الشعوب، كافتخار العربي بالعروبة والتركي بالتركية والمصري بالفرعونية، والكردي بالكردية، والفارسي بالفارسية وهكذا، فكان كل ذلك معول هدم وخراب، لذلك البناء المتين الذي أرسى قواعده الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم، والعمالقة من أبناء الإسلام على مرّ العصور والأزمان، رغم أن الدين الإسلامي جاء وأزال كل هذه التصورات التي عدّها صفات جاهلية لا تتناسب مع الرسالة الربانية.
والحق أن الاستشراق صار ملازمًا للاستعمار أينما حلّ وأناخ، وتوسع مجاله ونطاقه بتوسع احتلاله واغتصابه لحقوق الشعوب عامة والمسلمين خاصة، حيث يقول المستشرق الهولندي سنوك هرجرنجي عن ذلك بقوله: "إن الشريعة الإسلامية موضوع مهم للدراسات الاستشراقية، ليس فقط لأسباب تجريدية [نظرية] متعلقة بتاريخ القانون والحضارة والدين، ولكن كذلك لأهداف عملية: وذلك أنه كلما توثقت العلاقات بين أوروبا والشرق الإسلامي، وكلما زاد [عدد] البلاد الإسلامية التي تقع تحت السيادة الأوروبية