فالرجل العاقل الحكيم الحازم يحكم هذا الأمر، وينتفع به عند لقائه بالطبقات المختلفة، فتراه يزن عقول من يلاقونه، ويحس ما تكن صدورهم، وتنزع إليه نفوسهم، فيصاحب الناس، ويشهد مجالسهم، وهو على بصيرة مما وراء ألسنتهم من عقول، وسرائر، وعواطف.
فيتيسر له أن يسايرهم إلا أن ينحرفوا عن الرشد، ويتحامى ما يؤلمهم إلا أن يتألموا من صوت الحق.
ومراعاة عقول الناس وطباعهم ونزعاتهم فيما لا يقعد حقا، ولا يقيم باطلا- مظهر من مظاهر الإنسانية المهذبة.
وكما أن هذا الأمر عائد إلى الألمعية- وهي في أصلها موهبة إلهية- فهو كذلك يأتي بالدربة، والممارسة، وتدبر سير أعاظم الرجال، والنظر في مجاري الحوادث باعتبار، فهذا مما يقوي هذه الخصلة، ويرفع من شأنها.