للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول: هل يقبل عذري في قصوري عن خدمته، ولو قبل عذري لكتبت قبوله بسواد عيني وجعلته مداداً لكتبته، لعظم موقعه لدي.

وقيل: الهاء راجعة إلى الممدوح، يريد على وجه الدعاء كأن سواد عيني مداداً يكتب به هو

أنا من شدة الحياء عليلٌ ... مكرمات المعلّه عوّاده

الهاء في المعله وعواده للعليل.

يقول: أنا عليل من فرط حيائي. حيث قصرت في خدمته وقد أخجلني بانتقاده شعري وقد أعلني وجعل مكارمه عوادي.

وقيل: المعنى اعتللت من شدة الحياء، والذي أعلني هو ابن العميد، لأنه أكثر من مكرماته ومواهبه، حتى أدى ذلك إلى الفرح الغالب علي، وأدى ذلك إلى الحياء في تقصيري، ولولاه لما كنت ذا حياء، غير أنه جعل مكرماته متجددة عندي فجعلها بمنزلة عوادي.

ما كفاني تقصير ما قلت فيه ... عن علاه حتّى ثناه انتقاده

ثناه: أي جعله ثانياً. وروى ثناني: أي صرفني.

يقول: كنت قد خجلت من تقصيري في خدمته، فزادني خجلا حين انتقد علي عشري، فلم يكفني قصوري عن وصفه وتقصيري في خدمته، حتى انضم إليه انتقاده.

إنّني أصيد البزاة ولكن ... ن أجلّ النّجوم لا أصطادّ

يعني: أنا أبلغ الشعراء وأقدرهم على الوصف، ولكن معالي ابن العميد أعجزتني عن إدراكها، فلست أصل إلى وصفها، كالبازي لا يمكنه أن يصيد أجل النجوم وهو الشمس.

ربّ ما لا يعبّر اللّفظ عنه ... والّذي يضمر الفؤاد اعتقاده

يقول: رب معنى له قد استقر في قلبي، غير أن عبارتي تقصر عنه ولا تلحقه، وأنا أصفه بقلبي، وإن قصر اللفظ عنه.

ما تعوّدت أن أرى كأبي الفض ... ل وهذا الّذي أتاه اعتياده

يقول: لم أمدح مثل أبي الفضل، إذ لم أشاهد له مثالاً؛ فلذلك قصرت عن كنه وصفه، وهذا الذي أتى به من الكرم والجود هو عادة طبع عليها، لا تكلف فيها.

وقيل: معناه ما رأيت مثله ومثل انتقاده، وهو قد رأى مثلي، وما أتاه من انتقاد شعري عادته، وقد فعل قبل ذلك كثيراً.

وهذا يدل على تحرزه من ابن العميد والإقرار له بالفضل.

إنّ في الموج للغريق لعذراً ... واضحاً أن يفوته تعداده

يعني: قد غرقت في بحر جودك فاعذرني إن عجزت عن إحصائه؛ فإن الغريق معذور إذ لم يقدر على عد أمواج البحر.

وقيل: إن فضائله غرقت فكري، فلم أقدر على وصفها حق الوصف، فكأنها موج وكأنني غريق فيه، لا يمكنني تعداده.

للنّدى الغلب أنّه فاض والشّع ... ر عمادي وابن العميد عماده

الهاء في عماده للندى.

يقول: الغلب للندى حيث فاض علي وغشني بكثرته، لأن عماده ابن العميد، وعمادي الشعر، فمادة الندى أغزر من مادة الشعر.

نال ظنّي الأمور إلاّ كريماً ... ليس لي نطقه ولا فيّ آده

الآد والأيد: القوة، والظن ها هنا: العلم.

يقول: قد أحاط علمي بجميع الأمور، غير ابن العميد، فإن علمي لا يحيط بوصفه، ولا في قوة لاستنباط معانيه، ولا تقوم عبارتي بمدحه.

وقيل: أراد لم يجر في وهمي أني أرى إنساناً ليس لي مثل بلاغته وقوته. يعني: لم يكن في ظني أن في الدنيا أحداً أقصى مني، حتى رأيت ابن العميد. والهاء في نطقه وآده للكريم.

ظالم الجود كلّما حلّ ركبٌ ... سيم أن يحمل البحار مزاده

ظالم: نصب لأنه نعت لقوله: إلا كريماً.

يعني: أن جوده يظلم قصاده؛ لأنه يكلفهم أن يحملوا البحار وهي جوده في مزاودهم وهذا ظلم، لأن أحداً لا يقدر عليه.

غمرتني فوائدٌ شاء فيها ... أن يكون الكلام ممّا أفاده

يقول: أفادني فوائد، حتى جعل فيها كلامه: أي تعلمت منه حسن القول، فصار ذلك من جملة ما غمرني من فوائده.

ما سمعنا بمن أحبّ العطايا ... فاشتهي أن يكون فيها فؤاده

يعني: أن كلامه نتيجة عقله ومادة قلبه، فإذا أفاده إنساناً فكأنه أفاده قلبه، وما سمعنا بأحد يهب قلبه في مواهبه.

خلق الله أفصح النّاس طرّاً ... في مكانٍ أعرابه أكراده

يقول: خلق الله تعالى ابن العميد أفصح الناس، في بلاد ليس فيها إلا الأكراد، والأعراب فيها غير الأكراد. وهذا أبين لفضله لأنه مقرون بضده.

وأحقّ الغيوث نفساً بحمدٍ ... في زمانٍ كلّ النّفوس جراده

أحق نصب لأنه مفعول خلق الله يعني: خلق الله تعالى منه غيثاً في زمان كل الناس فيه جراده. والهاء للزمان.

<<  <   >  >>