للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يقول: وضع السنان في حال مجاولته الأقران حيث أراد، حتى لو أراد أن يضعه في خرت الأذن لأمكنه! وبالغ في وصفه بقوله: مجاولاً؛ لأنه إذا فعل ذلك بالفرسان في حال المجاولة في الحرب، ففي غير ذلك الحال أقدر، لأن الرجل قد يكون حاذقاً بالطعن في أوقات اللعب، فإذا حضر في الحرب تحير، ولهذا قال: في موضع الطعن في الهيجاء، لا الطعن في الميدان.

تكبو وراءك يا بن أحمد قرحٌ ... ليست قوائمهن من آلاتها

كبا الفرس يكبوا: إذا عثر، وفي المثل: لكل جوادٍ كبوة، ولكل صارمٍ نبوة، ولكل عالم هفوة والقرح: جمع قارح، وهو الفرس إذا دخل في السادسة، وطلعت قوارحه، وهي أنيابه.

وقال ابن جنى: الهاء في آلاتها تعود إلى وراءك؛ لأنها مؤنثة. أي ليست قوائم تجاريك. من آلات جرى خلفك شبه الممدوح بفرس سابق، وجعل من يباريه في المجد خيلاً قرحاً تجري وراءه.

يقول: من جاراك كبا خلفك، وخانته قوائمه؛ لأنها ليست من آلات الجري خلفك. أي من باراك في مجدك عجز عن سعيك؛ لأنه ليس له آلة كآلتك.

وقيل: إن الهاء في آلاتها ترجع إلى القرح. يعني: أن القرح إذا اتبعتك وطلبت لحاقك كبت، فكأن قوائمها ليست من آلاتها؛ لأنها تنصرف عن إرادتها، ولكنها آلة لتلك، من حيث دلت على سبقك، وأظهرت قصورها عن لحاقك، فكأنك استعنت بها على إظهار عجز من يسابقك.

رعد الفوارس منك في أبدانها ... أجرى من العسلان في قنواتها

الرعد: جمع رعدة. والعسلان: الاضطراب. والقنوات: جمع قناة.

يقول: إن الفرسان إذا رأوك أو سمعوا بذكرك اضطربوا وارتعدوا؛ خوفاً منك. فكأن ذلك أجرى في بدنهم من اضطراب رماحهم واهتزازها، ومعنى اللفظ: أجرى من التحرك في قنواتها.

لا خلق أسمح منك إلا عارفٌ ... بك راء نفسك لم يقل لك هاتها

راء: مقلوب رأى.

يقول: ليس أحد أسمح منك إلا رجل يعلم حال جودك. فرأى نفسك ولم يستوهبها منك، فجوده في ترك ذلك يزيد على جودك.

غلت الذي حسب العشور بآيةٍ ... ترتيلك السورات من آياتها

غلت: في الحساب. وغلط: في الكلام. والعشور: جمع عشر وهي عشور القرآن. وحسن ترتيلك: آية من آيات القرآن. فمن عد العشور في القرآن آيات السور، ولم يعد تلاوتك منها فقد غلط.

يعني: أن تلاوتك معجزة لا يقدر أحد أن يأتي بمثلها! كما لا يقدر أن يأتي بمثل آية من القرآن. والهاء في آياتها للسور أو للعشور.

كرمٌ تبين في كلامك ماثلاً ... ويبين عتق الخيل في أصواتها

ماثلاً: أي قائماً ظاهراً. والعتق: الكرم.

يقول: إن حسن صوتك وكلامك يدل على كرمك، كما أن صهيل الفرس يدل على كرمه.

أعيا زوالك عن محلٍّ نلته ... لا تخرج الأقمار من هالاتها

الهالة: الدائرة التي حول القمر.

يقول: لا يقدر أحد أن يزيلك عن محلك وشرفك، كما لا يخرج القمر عن هالته.

لا تعذل المرض الذي بك، شائقٌ ... أنت الرجال وشائقٌ علاتها

وروى: لاتعذل. وشائق: اسم الفاعل، من شقته أشوقه شوقاً. إذا حملته على الاشتياق. وشائق: خبر مبتدأ. وأنت: مبتدأ. والرجال: نصب بشائق الأول. وعلاتها: بالتاء والهاء: للرجال.

يقول: لا تعذل المرض الذي بك، أو لا تلوم المرض الذي بك؛ لأنه قصدك زائراً، كما تزورك القصاد، وأنت تشوق الأمراض إلى زيارتك، كما تشوق الرجال.

فإذا نوت سفراً إليك سبقنها ... فأضفت قبل مضافها حالاتها

ومن روى: بالتاء، أي سبقتها قد صحف. ونوت: فعل الرجال. وسبقن: للعلات. والهاء: للرجال، وكذلك في مضافها وحالاتها والمضاف: مصدر، من قولك أضفت الرجل إضافةً ومضافاً: إذا قمت بضيافته.

يقول: إن الرجال إذا نوت سفراً إلى لقائك، سبقتها العلات إليك، فأنزلتها في جسمك وأضفتها قبل أن تضيف الرجال. وتقديره: فأضفت حالاتها. أي علات الرجال.

ومنازل الحمى الجسوم فقل لنا ... ما عذرها في تركها خيراتها؟

الهاء في عذرها للحمى وفي خيراتها للجسوم.

يقول: إن منازل الحمى الجسوم، فإذا وجدت خير الجسوم فما عذرها في تركها لها، وعدولها إلى ما هو دونها؟! فأنت لما كان جسمك خير الجسوم قصدته رغبة فيه من غيره، كما أن من له منازل كثيرة فإنه ينزل فيما كان منها خير وأحسن.

أعجبتها شرفاً فطال وقوفها ... لتأمل الأعضاء لا لأذاتها

<<  <   >  >>