للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أوقعه كذلك غير الذي لو جهد لخلافه أن يقع لم يقع.

ولأنا نجد الإنسان غير عالم بحقائق أفعاله كلها وكمياتها وعدد أجزائها ولا يجوز أن يكون مخترعا لها وهو لا يحيط بها علما، إذ لو ساغ ذلك لم ينكر أن يكون سائر المخترعين كذلك، وأن يكون كذلك حكمة الباري في اختراعه، ولا يدخل عليه الكسبب لأن الكسب هو اختراع عالم بحقائقه من (جميع) وجوهه جعله كسبا لنا، ونحن مكتسبون له غير مخترعين له، والذي يؤكّد هذه الطريقة قوله عزّ وجل:

{وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٣].

وظاهر هذا إنه خلق الإسرار والجهر اللذين يكتسبان بالقلب، وانه عليم بهما، وكيف لا يعلم وهو خلقهما؟ فدلّ أنّ الخلق يقتضي علم الخالق بالخلق من كل الوجوه.

ولأنّ الدلالة قد قامت انّ كلّ مقدور فالله قادر عليه لقيام الدلالة على انّ القدرة من صفات ذاته كالعلم، فوجب أن يقدر كل مقدور كما يعلم كل معلوم.

وإذا كان كذلك فوجب أن يكون إذا وجد وهو مقدور أن يكون مرادا له أن يكون فعله كما إذا وجد مقدور الإنسان مرادا له لم يكن فعله؟.

فإن قيل إذا كان الله خالقا لكسب العباد أفيقولون إن الفعل وقع من فاعلين؟

قيل لا فاعل في الحقيقة إلا الله عز وجل كما أنه لا خالق إلاّ هو، والإنسان مكتسب على الحقيقة غير فاعل ولا محدث العين عن العدم.

وكان الشيخ أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان يقول: فعل القادر القديم خلق وفعل القادر المحدث كسب، فتعالى القديم عن الكسب وجلّ، وصغر المحدث عن الخلق وذلّ.

وقال فإن قيل: أفتقولون هو مقدور لقادرين؟.

<<  <  ج: ص:  >  >>