للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولولا عظيم قدر الصحابة ورفيع فضل خير القرون لقلت: حب الشرف والمال قد فتن سلف هذه الأئمة كما فتن خلفها اللهم١ غفرا ثم اعلم أنه قد جاء القرآن والسنة بتسمية من قاتل المحقين باغيا كما في الآية المتقدمة وحديث عمار بن ياسر المتقدم فالباغي مؤمن يخرج عن طاعة الإمام التي أوجبها الله تعالى على عباده ويقدح عليه في القيام بمصالح المسلمين ودفع مفاسدهم من غير بصيرة ولا على وجه المناصحة فإن انضم إلى ذلك المحاربة وله القيام في وجهه فقد تم البغي وبلغ إلى غايته وصار كل فرد من أفراد المسلمين مطالبا بمقاتلته لقوله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا} الآية وليس القعود عن نصرة الحق من الورع بعد قوله الله عز وجل: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} والحاصل: أنه إذا تبين الباغي ولم يلتبس ولا دخل في الصلح كان القعود عن مقاتلته خلاف ما أمر الله به وأما مع اللبس فلا وجوب حتى يتبين المحق من المبطل لكن يجب السعي في الصلح كما أمر الله به وليس من البغي إظهار كون الإمام سلك في اجتهاده في مسألة أو مسائل طريق مخالفة لما يقتضيه الدليل فإنه ما زال المجتهدون هكذا ولكنه ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام أن يناصحه ولا يظهر الشناعة عليه على رؤس الأشهاد بل كما ورد في الحديث أنه يأخذ بيده ويخلو به ويبذل له النصيحة ولا يذل سلطان الله ولا يجوز الخروج على الأئمة وإن بلغوا في الظلم أي مبلغ ما أقاموا الصلاة ولم يظهر منهم الكفر البواح والأحاديث الواردة بهذا المعنى متواترة ولكن على المأموم أن يطيع الإمام في طاعة الله ويعصيه في معصية الله فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وقد ابتلي علي رضي الله عنه بقتال البغاة على اختلاف أنواعهم وإذا كانت الإمامة الإسلامية مختصة بواحد والأمور راجعة إليه مربوطة به كما كان في أيام الصحابة والتابعين وتابعيهم فحكم


١دخل الشارح في مأزق لا قبل له به ولا قوة فيه فماله ومال الصحابة ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه. والحض يري مالا يرى الغائب وهذه الفتن قد تنسي الحليم حلمه. والذكي عقله فلا ندري عذر من كان مع معاوية من الصحابة رضي الله عنهم وقد غلب على الشارح ما يغلب على الأعجام من القذف المزري بأهل الأنصاف وظهور الحجة وتمام الأدلة على أن الحق بجانب علي لا يسيغ لنا أن نحكم بالبغي على الصحابة الذين خالفوه فقد تكون لهم أعذار لا نعلمها ومآل الجميع إلى مولاهم يحاسبهم ويقضي بينهم يوم الفصل والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>