للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَرْتَعُ مَا رَتَعَتْ ١ حَتَّى إذَا ادَّكَرَتْ ... فَإِنَّمَا هي إقبال وإدبار

عني مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً.

وقَوْله تَعَالَى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} يَعْنِي أَنَّ الْبَارَّ مَنْ آتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ. قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ يَعْنِي حُبَّ الْمَالِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: ٩٢] وَقِيلَ: إنَّهُ يَعْنِي حُبَّ الْإِيتَاءِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مُتَسَخِّطًا عِنْدَ الْإِعْطَاءِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ عَلَى حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران: ٣١] وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ جَمِيعَ هَذِهِ الْوُجُوهِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ حُبَّ الْمَالَ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: "أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمَلُ الْغِنَى، وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ". وَحَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ الْجُرْجَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} قَالَ: "أَنْ تُؤْتِيَهُ وَأَنْتَ صَحِيحٌ تَأْمَلُ الْعَيْشَ وَتَخْشَى الْفَقْر".

وقَوْله تَعَالَى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى} يَحْتَمِلُ بِهِ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الصَّدَقَةَ الْوَاجِبَةَ وَأَنْ يُرِيدَ بِهِ التَّطَوُّعَ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهَا الْوَاجِبَةُ، وَإِنَّمَا فِيهَا حَثٌّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَوَعْدٌ بِالثَّوَابِ عَلَيْهَا; لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهَا أَنَّهَا مِنْ الْبِرِّ، وَهَذَا لَفْظٌ يَنْطَوِي عَلَى الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، إلَّا أَنَّ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ، وَنَسَقِ التِّلَاوَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الزَّكَاةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} فَلَمَّا عَطَفَ الزَّكَاةَ عَلَيْهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الزَّكَاةَ بِالصَّدَقَةِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَهَا.

وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: أَرَادَ بِهِ حُقُوقًا وَاجِبَةً فِي الْمَالِ سِوَى الزَّكَاةِ نَحْوَ وُجُوبِ صِلَةِ الرَّحِمِ إذَا وَجَدَهُ ذَا ضُرٍّ شَدِيدٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ مَنْ قَدْ أَجْهَدَهُ الْجُوعُ حَتَّى يُخَافَ عَلَيْهِ التَّلَفُ فَيَلْزَمَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا يَسُدُّ جَوْعَتَهُ.

وَقَدْ رَوَى شَرِيكٌ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: "فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ"، وَتَلَا قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} الْآيَةَ. وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ الْإِبِلَ فَقَالَ: "إنَّ فِيهَا حَقًّا" فسئل


١ غفلت "نسخة".

<<  <  ج: ص:  >  >>