للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إخْبَارِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ انْطَوَتْ تَحْتَ الْآيَةِ; لِأَنَّ فِي الْكِتَابِ الدَّلَالَةَ عَلَى قَبُولِ أَخْبَارِ الْآحَادِ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَكُلُّ مَا اقْتَضَى الْكِتَابُ إيجَابَ حُكْمِهِ مِنْ جِهَةِ النَّصِّ أَوْ الدَّلَالَةِ فَقَدْ تَنَاوَلَتْهُ الْآيَةُ. وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَوْلَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا حَدَّثْتُكُمْ ثُمَّ تَلَا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} فَأَخْبَرَ أَنَّ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} الْآيَةَ: فَهَذَا مِيثَاقٌ أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ، فَمَنْ عَلِمَ عِلْمًا فَلْيُعَلِّمْهُ، وَإِيَّاكُمْ وَكِتْمَانَ الْعِلْمِ فَإِنَّ كِتْمَانَهُ هَلَكَةٌ. وَنَظِيرُهُ فِي بَيَانِ الْعِلْمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ذِكْرُ الْوَعِيدِ لِكَاتِمِهِ قَوْله تَعَالَى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} وَقَدْ رَوَى حَجَّاجٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ: "مَنْ كَتَمَ عِلْمًا يَعْلَمُهُ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلْجَمًا بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ".

فَإِنْ قِيلَ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ الْيَهُودِ حِينَ كَتَمُوا مَا فِي كُتُبِهِمْ مِنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ: نُزُولُ الْآيَةِ عَلَى سَبَبٍ غَيْرِ مَانِعٍ مِنْ اعْتِبَارِ عُمُومِهَا فِي سَائِرِ مَا انْتَظَمَتْهُ; لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَنَا لِلَّفْظِ لَا لِلسَّبَبِ، إلَّا أَنْ تَقُومَ الدَّلَالَةُ عِنْدَنَا عَلَى وُجُوبِ الِاقْتِصَارِ بِهِ عَلَى سَبَبِهِ.

وَيُحْتَجُّ بِهَذِهِ الْآيَاتِ فِي قَبُولِ الْأَخْبَارِ الْمُقَصِّرَةِ عَنْ مَرْتَبَةِ إيجَابِ الْعِلْمِ الْعَامِّ لِمَخْبَرِهَا فِي أُمُورِ الدِّينِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ} وقَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [آل عمران: ١٨٧] قَدْ اقْتَضَى النَّهْيَ عَنْ الْكِتْمَانِ وَوَقَعَ الْبَيَانُ بِالْإِظْهَارِ، فَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ السَّامِعِينَ قَبُولُهُ لَمَا كَانَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ مُبَيِّنًا لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى; إذْ مَا لَا يُوجِبُ حُكْمًا فَغَيْرُ مَحْكُومٍ لَهُ بِالْبَيَانِ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَنْهِيِّينَ عَنْ الْكِتْمَانِ مَتَى أَظْهَرُوا مَا كَتَمُوا وَأَخْبَرُوا بِهِ لَزِمَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى خَبَرِهِمْ وَمُوجَبِهِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي سِيَاقِ الخطاب: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} فَحَكَمَ بِوُقُوعِ الْعِلْمِ بِخَبَرِهِمْ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى لُزُومِ الْعَمَلِ بِهِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْ الْكِتْمَانِ وَمَأْمُورًا بِالْبَيَانِ لِيَكْثُرَ الْمُخْبِرُونَ وَيَتَوَاتَرَ الْخَبَرُ قِيلَ لَهُ: هَذَا غَلَطٌ; لِأَنَّهُمْ مَا نُهُوا عَنْ الْكِتْمَانِ إلَّا وَهُمْ مِمَّنْ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ التَّوَاطُؤُ عَلَيْهِ، وَمَنْ جَازَ مِنْهُمْ التَّوَاطُؤُ عَلَى الْكِتْمَانِ جَازَ مِنْهُمْ التَّوَاطُؤُ عَلَى التَّقَوُّلِ فَلَا يَكُونُ خَبَرُهُمْ مُوجِبًا لِلْعِلْمِ فَقَدْ دَلَّتْ الْآثَارُ عَلَى قَبُولِ الْمُقَصِّرِ عَنْ الْمَنْزِلَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْعِلْمِ بِمُخْبَرِهِ، وَعَلَى أَنَّ مَا ادَّعَيْته لَا بُرْهَانَ عَلَيْهِ، فَظَوَاهِرُ الْآيِ مُقْتَضِيَةٌ لِقَبُولِ مَا أُمِرُوا بِهِ لِوُقُوعِ بَيَانِ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ. وَفِي الْآيَةِ حُكْمٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهَا مِنْ حَيْثُ دَلَّتْ عَلَى لُزُومِ إظْهَارِ العلم وترك

<<  <  ج: ص:  >  >>