للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمكان في قاع البحر المظلم، ويغطيه ويغمره موج من فوقه، وفوق ذلك الموج موج آخر، وفوق البحر سحاب.

كما يدل السياق على أن هذه العوامل تسهم في حجب النور عن الكائن في ذلك المكان، وتصور شدة الظلمة المحيطة بالمشبه به. كما سيأتي في قوله: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} .

وهذه الصورة المرسومة للممثل به تدل على وجود موج داخل البحر واقع بين قاعه والموج الذي يكون على سطحه. ففي هذا تقرير لحقيقة علمية.

قال محمد حسن هيتو: "فقوله تعالى: {يَغْشَاهُ مَوْجٌ مّن فَوْقِهِ مَوْجٌ} : فيه إشارة لا لبس فيها ولا غموض إلى هذه الأمواج الداخلية التي تكلم عنها العلم الحديث وأثبتها، كما يشير إلى الأمواج السطحية التي نراها ونعرفها، وهذا المعنى واضح من قوله تعالى: {مّن فَوْقِهِ} ، أي أن الموج الأول من الأسفل، والموج الثاني يأتي من فوقه، ولم نعد بحاجة إلى ارتكاب المجاز في قولنا١: من فوقه: أي من


١ يشير إلى قول بعض المفسرين الذين فسروا "من فوقه بمن بعده" انظر فتح القدير للشوكاني، (٤/٣٩) وقوله:"ولم نعد بحاجة إلى المجاز": الحق أن أهل الإسلام ليسوا بحاجة إلى المجاز دائماً، فلا يليق أنه كلما استشكل المفسرون والعلماء أمراً لكونه من الغيب أو لم يأت تأويله بعد، صرفوه عن ظاهره، ومالوا بمعناه بالمجاز والتأويل. وإنما الواجب تفسيره على المعنى الظاهر المعلوم من لغة المخاطبين به، والتوقف في حقيقته حتى يأتي تأويله، وانكشاف حقيقته إما في الدنيا كما في هذه الآية، أو في الآخرة كما قال تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} (الأعراف الآية رقم: ٥٣) . انظر لمعرفة بطلان ما اصطلحوا عليه من قواعد المجاز وضوابطه، وما حصل بالتأويل من تحريف نصوص الكتاب والسنة والإلحاد في آيات اللَّه وأسمائه:
- مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (كتاب الإِيمان) - (٧/٨٧) وما بعده.
- والصواعق المنزلة على الطائفة الجهمية والمعطلة للإمام ابن قيم الجوزية.

<<  <  ج: ص:  >  >>