والذ لو شاء لكنت صخرا ... أو جبلا أشم مشمخرا وقد قال قوم من العلماء: إن الضمير المستتر في "لكانت" في رواية المؤلف عائد على الدنيا، وإن البرّ في هذه الرواية بفتح الباء ضد البحر، والمعنى: هو الذي لو شاء أن تكون الدنيا كلها برًا لكانت برًّا ولو شاء أن تكون كلها جبلا لكانت جبلا، والأصم بالصاد، ويروى "أشم" والأشم: العالي المرتفع، والمشمخر: البالغ في الغاية في الارتفاع، أو الراسخ. ومحل الاستشهاد من هذين البيتين قوله "اللذ" فقد وردت الرواية فيه بكسر الذال مع حذف الياء ووزن البيت لا يستقيم إلا بتحرك الذال، ولم ينقل أنها تحرك بغير الكسر، فدل ذلك على أن من العرب من ينطق بهذه الكلمة على هذا الوجه، ونظير ذلك في "التي" قول الشاعر: شغفت بك اللت تيمتك؛ فمثل ما ... بك ما بها من لوعة وغرام قال ابن منظور في "ل ذ ي": "الذي" اسم مبهم، وهو مبني معرفة، ولا يتم إلا بصلة، وأصله لذي، فأدخل عليه الألف واللام، ولا يجوز أن ينزعا منه، وقال ابن سيده: الذي من الأسماء الموصولة ليتوصل بها إلى وصف المعارف بالجمل، وفيه لغات: الذي، والذ -بكسر الذال- والذ -بإسكان الذال- والذي -بتشديد الياء- ثم أنشد البيتين رقم ٤٢٦ ا. هـ، وقال كلاما نظير هذا عن التي في "ل ت ي" وقال ابن يعيش: "أما الذي فيقع على كل مذكر من العقلاء وغيرهم، وفيها أربع لغات، قالوا: الذي -بياء ساكنة- وهو الأصل فيها، واللذ -بكسر الذال من غير ياء- كأنهم حذفواالياء تخفيفا إذ كانت الكسرة قبلها تدل عليها، فعلواذلك كما قالوا: يا غلام ويا صاحب -بالكسرة- بالكسرة اجتزاء بها عن الياءِ، الثالثة: الذ -بسكون الذال- ومجازه أنهم لما حذفواالياء اجتزاء بالكسرة منها أسكنواالذال للوقف ثم أجرواالوصل مجرى الوقف، وهو من قبيل الضرورة، وعند الكوفيين قياس لكثرته، الرابعة: الذي -بتشديد الياء، للمبالغة في الصفة، كما قالوا: أحمري، وأصفري، وكما قال: والدهر بالإنسان دواري وليس منسوبا" ا. هـ، وإذا ثبت بالنقل الصحيح أن في هذه الكلمة عدة لغات وأن العرب قد تكلموابها كلها لم تكن إحدى هذه اللغات بأن تكون أصلًا وغيرها فرعًا عنها بأولى مما عداها.