للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أقول: هذا ما ثبت في الصحيحين وغيرهما: "ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوما من الدهر فأدها إليه"، ولا يعارض هذا ما أخرجه البخاري من حديث أبي بن كعب وفيه وجدت صرة فيها مائة دينار فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "عرفها حولا"، فعرفتها فلم أجد من يعرفها ثم أتيته ثانيا فقال: "عرفها حولا"، فعرفتها فلم أجد ثم أتيته ثالثا فقال: "احفظ وعاءها ووكاءها وعددها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها"، فاستمتعت بها فلقيته بعد بمكة فقال سلمة بن كهيل الراوي لهذا الحديث لا أدري ثلاثة أحوال أو حولا واحدا وقد جزم ابن حزم بأن الزيادة على الحول في حديث أبي بن كعب غلط قال ابن الجوزي والذي يظهر لي أن سلمة بن كهيل أخطأ فيها ثم تثبت واستمر على عام واحد ولا يؤخذ إلا بما لم يشك فيه راويه قال المنذري لم يقل أحد من أئمة الفتوى أن اللقطة تعرف ثلاثة أعوام إلا شريح عن عمر وحكى ابن المنذر عن عمر أربعة أقوال تعرف ثلاثة أحوال عاما واحدا ثلاثة أشهر ثلاثة أيام وزاد ابن حزم عن عمر قولا خامسا وهو أربعة أشهر.

والحق أن مدة التعريف حول فقط ثم يستمتع بها الملتقط فإن جاء صاحبها ضمنها له كما تقدم في الحديث الصحيح ولكن هذا فيما كان لا يتسامح بمثله أما ما كان يتسامح بمثله فقد أخرج أحمد وأبو داود "١٧١٧"،من حديث جابر قال: رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقط الرجل ينتفع به وفي إسناده المغيرة بن زياد وفيه مقال ولكنه صدوق وشهد له ما أخرجه البخاري "٢٤٣١"، ومسلم "١٠٧١"، وغيرهما أبو داود "١٦٥١، ١٦٥٢"، من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بتمرة في الطريق فقال: "لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها"، وأما ما روي من تعريف المحقرات ثلاثة فلم يثبت من وجه تقوم به الحجة.

وأما قول المصنف: "وتصرف في فقير أو مصلحة بعد اليأس" فالسنة قد قضت بها بأن استمتاع الملتقط بها وصرفها في نفسه مقدم على صرفها في غيره فإن أراد الصرف في الغير صرف في فقير أو مصلحة.

وأما ما اشتراطه من حصول اليأس فلا وجه له بل الوجه التعريف حولا كما تقدم دليله وأما إيجابه للضمان إذا لم يصرف مع اليأس فليس على ذلك أثارة من علم لأن استمتاع الملتقط بها أو صرفها فيمن هو مصرف لها لم يكن على طريق الحتم بل الأمر فيه للإباحة كما في نظيره وبهذا تعرف عدم صحة ما ذكره المصنف بعد هذا.

وأما قوله: "فإن ضلت فالتقطت انقطع حقه" فهذا الانقطاع مسلم إن كان بتقريط منه وإلا فلا وجه لإنقطاع حقه لحديث: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه"، فقد صار هذا الملتقط الأول مخاطبا بتأدية ما التقطه حتى يؤديه إلى مالكه.

<<  <   >  >>