وأما قوله:"ما خشي قوته من موضع ذهاب جهله المالك" فوجهه أن اللقطة إنما تلتقط مع خشية القوت أما لو لم يخش القوت فهو متعد بالالتقاط وهكذا إذا لم يكن الموضع موضع ذهاب أو كان المالك عالما بأن اللقطة في ذلك المكان وتركها باختياره فليس لغيره أن يلتقطها ولا ينبغي أن يكون غير المالك أحرص على المال من مالكه وليس التقاطه هذا من باب التعاون على الخير ولا يتوجه إليه أوامر الشارع فالملتقط والحال وهكذا غاصب لاستيلائه على مال الغير عدوانا فيضمن ضمان الغاصب ولهذا قال المصنف: وإلا ضمن للمالك أو لبيت المال.
قوله:"ولا ضمان إن ترك".
أقول: استدلوا على عدم الضمان بعدم وجود دليل يدل عليه أو يدل على وجوب الالتقاط ولا يخفاك أن قوله صلى الله عليه وسلم: "من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل وليحفظ عفاصها ووكاءها"، وكذلك قوله:"اعرف عفاصها ووكاءها"، كما في الحديثين المتقدمين وكذلك قوله في ضالة الغنم:"خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب"، كما في الصحيحين [البخاري ٢٣٧٢، ٢٤٢٩"، مسلم "١٧٢٢"] ، وغيرهما [أبو دتود "١٧٠٥"] ، تدل على أن الملتقط مأمور بالتقاط ما وجده ولا يخرج عن ذلك إلا ضالة الإبل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما لك ولها دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وترعى الشجر حتى يجدها ربها"، ولا ينافي هذا حديث: "لا يأوي الضالة إلا ضال"، كما أخرجه أحمد "٤/١١٦"، وأبو داود "١٧٢٠"، والنسائي وابن ماجة "٢٥٠٣"، وأبو يعلى والطبراني في الكبير والضياء في المختارة من حديث جرير بن عبد الله البجلي لأن هذا في الضالة وهي خاصة بالحيوانات ويجمع بينه وبين ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "هي لك أو لأخيك أو للذئب"، بحمل هذا على ضالة الإبل.
وأقل أحوال هذه الأوامر أن يأثم التارك وأما أنه يضمن فلا لأن ماله معصوم بعصمة الإسلام فلا يلزمه إخراج شيء منه إلا بناقل شرعي عن هذه العصمة.
وأما قوله: "ولا يلتقط لنفسه ما تردد في إباحته" فوجهه ظاهر لأن الأصل في الأمور التي تملك التحريم ولو مع مجرد الشك والتجويز ويدل على ذلك الأدلة الكلية الواردة في تحريم ملك الغير ولا يجوز الإقدام إلا على ما علم الإنسان أنه حلال مطلق مباح لم يملكه مالك وإذا اختلط ما تردد في إباحته بما هو مباح فالحق ما ذكره المصنف بقوله ولو مع مباح لأنه إذا لم يتميز المباح صار التردد فيه كالتردد في غيره.
[فصل
وهي كالوديعة إلا في جواز الوضع في المربد والإيداع بلا عذر ومطالبة الغاصب بالقيمة ويرجع بما أنفق بنيته ويجوز الحبس عمن لم يحكم له ببينته ويحلف له على