عن النظر إلى ما خلفها وأدركت السعادة الحقيقية، وإن كان لها التفات إلى ما خلفته في الدنيا تأذت بالحسرة عليه، إن الالتفات إلى أحوال الدنيا وتذكر مقتضيات البدن هو شأن النفوس الرديئة التي تتخيل بعد الموت جميع أنواع العقاب الذي صور لها في الدنيا وتقاسيه بالصورة الخيالية التي لا تقل تأثيراً عن الصورة الحسية، إذن فابن سينا يعتقد أن الإنسان سيلاقي بعد الموت سعادة نفسانية وأن العذاب الذي سوف يقاسيه عذاب روحاني.
٦ - سلامان وابسال
ويجدر بنا وقد أوضحنا أسباب سعادة النفس في الدنيا والآخرة أن نستشهد بقصة (سلامان وابسال) التي ذكرها الشيخ الرئيس في كتاب الإشارات. لأن هذه القصة هي أحسن رمز لا بل أوضح صورة يمكن بها بيان سعادة النفس ودرجاتها وكيفية محاربتها للشهوات والتجرد عنها. والقصة التي نذكرها هنا ليست قصة سلامان وابسال التي قيل أن حنين ابن اسحق نقلها من اللغة اليونانية إلى العربية وترجمها المسيو (كارا - دوفو) في كتابه عن ابن سينا إلى اللغة الفرنسية، فإن القصة التي اخترعها أحد العوام كما يقول الطوسي، ليست من كلام الشيخ الرئيس ولا هي مطابقة لما ذكره في الإشارات. وأما القصة الحقيقية التي أشار إليها ابن سينا فهي التي أورد ذكرها أبو عبيد الجزجاني في فهرس تصانيف الشيخ الرئيس ونقلها عنه شارح الإشارات.
وحاصلها أن سلامان وابسال كانا شقيقين وكان ابسال أصغرهما سناً وقد تربى بين أخيه ونشأ جميل الصورة عاملاً متأدباً عفيفاً شجاعاً. فعشقته امرأة سلامان أخيه وقالت لزوجها أخلطه بأهلك ليتعلم منه أولادك فأشار عليه سلامان بذلك وأبى ابسال مخالطة النساء فقال له سلامان أن امرأتي بمنزلة أم لك فرضي ابسال بذلك ثم أكرمته زوجة سلامان وأظهرت له عشقها في خلوة فانقبض ابسال من ذلك. ولما علمت زوجة سلامان أن ابسالا لا يطاوعها قالت لزوجها زوج أخاك بأختي ثم قالت لأختها أني ما زوجتك بابسال ليكون لك خاصة بل لكي أساهمك فيه. وليلة الزفاف جاءت امرأة سلامان بدلاً من أختها وبادرت تعانق ابسالا وتضم صدره إلى صدرها فلاح برق في السماء أبصر بضوئه وجهها فأزعجها وخرج من عندها وطلب من أخيه أن يعطيه جيشاً فتولى قيادته وحارب حتى فتح كثيراً من البلاد شرقاً وغرباً. ثم رجع إلى وطنه مكللاً بالنصر وهو يحسب أن امرأة أخيه