وعقائدها الدينية وأمانيها ومثلها العليا، وإن يجاريها في ذوقها الفني، ويمازج على قدر طاقته أحلامها.
ولكن كيف السبيل إلى متابعة البحث بالنزاهة الفكرية اللازمة المكشف عن الحقائق المستترة وراء هذه المعضلات؟ إن العواطف الشخصية والميول القومية تمازج هذه الحوادث وتعمل على تبديلها. وهل يمكن التجرد من تأثير العطف والنفور عند البحث في هذه الأشياء الإنسانية التي نطلق عليها اسم الثقافة؟ إذ كثيراً ما يكون تأثير العواطف في البحث العلمي قوياً، بحيث لا يمكن التغلب عليه، فيمنع الباحث من إدراك غايته المجردة ويؤثر في نتائجه أسوأ تأثير.
ليس للعواطف شأن في دراسة العلوم الصحيحة المجردة كالرياضيات، ولذلك كان البحث عن حقائقها سهلاً جداً. انظر إلى الأعداد والدساتير المجردة، أنها بعيدة عن أهوائنا وليس لها علاقة بحياتنا الاجتماعية ولا بآبائنا القومي أو عقائدنا المقدسة أو أوضاعنا القديمة وتاريخنا الماضي ورغباتنا الحاضرة وآمالنا.
أما أمور الثقافة فإن الباحث لا يستطيع أن يتجرد فيها عن عواطفه لأنها تدل على كياننا الروحي وقيمتنا الأخلاقية وثروتنا الفنية والأدبية. لذلك اختلف العلماء فيما بينهم لا بل ناقض بعضهم بعضاً عند البحث في هذه المسائل. لأنهم كلما ساقهم البحث إلى النظر في أمور الثقافة عجزوا عن التغلب على عاطفته القومية واصطدموا لا محالة بقضية الجنس.
ولكن كيف التراجع أمام هذا (الاسفنكس)، دون الجواب بصورة صحيحة عن الأسرار التي يلقيها علينا؟ الفكر يتردد تحت تأثير هذا الميل الأعمى ويظن أن قومه فوق كل قوم وأنه نقي خالص من كل شائبة أجنبية شائنة. إن هذا الصلف يفسد حكم الباحث بالأدلة السفسطائية التي تقوم عليها محاكماته البعيدة عن المنطق الصحيح وعند ذلك تجد المناقشة قد انتقلت من البحث في أمور الثقافة إلى البحث في أفضلية القومية وامتياز جنسية الباحث على جنسية غيره. وتجد الباحثين إذا أرادوا ركز فرضياتهم السريعة التي خاطروا بها على الحوادث المشخصة يستقون أدلتهم من العلوم التي لم تثبت حقائقها بعد كعلم فراسة الرأس وعلم الأقوام وعلم وصف الجماعات وعلم منشأ اللغات وعلم الجغرافيا التاريخية وعلم الأساطير وغير ذلك من العلوم التي لا أدري ما اسميها.