لا يملكون شيئاً من النقود - كان الناس الملحدون يعزون مثل هذه الأمور إلى الصدف والظروف السيئة ومعاكسة الحظوظ.
وكثيرون من العلماء وكبار المفكرين كانوا لا ينظرون إلى الأزمات التاريخية إلا كعوارض استثنائية من كوارث الطبيعة نشأت عن نقص أو اختلال في نظام الكون.
ولم يحاول الناس إلا في العصور المتأخرة تعليل الأزمات تعليلً علمياً علا يعتبرونها من مجرد الصدفة السيئة بل يحاولون كشف أسرارها وإظهار أسبابها الطبيعية وتصويرها كنتيجة محتمة لا سبقها من الحوادث. ولعل أول من فكر في تعليل الأزمات التاريخية بصورة علمية هو ابن خلدون الذي نعده بحق مؤسس فلسفة التاريخ والاجتماع بالمعنى الحديث.
فإن المؤرخين قبله سواء اليونانيين أو الرومانيين أو العرب كانوا يقتصرون في مؤلفاتهم على مجرد سرد الحوادث التاريخية دون أن يتعرضوا للبحث في مجرى التاريخ العام وكشف العوامل المؤثرة فيه.
تقوم فلسفة ابن خلدون التاريخية على نظرية طبيعية لا تفرق بين حوادث الطبيعة الخارجية وبين وقائع التاريخ. فإن البشر في جميع أحوالهم لا يخرجون، على رأيه عن نظام الكون العام وهم خاضعون في تطورهم التاريخي أيضاً لنواميس الطبيعة الأبدية.
ويقول ابن خلون أن الهرم في الدولة مثلاً من الأمور الطبيعية وهو يحدث كما يحدث الهرم في المزاج الحيواني ولا يمكن ارتفاعهلأن الأمور الطبيعية لا تتبدل.
(أنظر مقدمة ابن خلدون - فصل في أن الهرم إذا نزل بالدولة لا يرتفع.)
ومما يدل على أن ابن خلدون لم يكن يتقيد بالنظرية الدينية في التاريخ سعيه لإخضاع الأنبياء أيضاً لقوانينه التاريخية فقال:
وهكذا حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في دعوتهم إلى الله بالعشائر والعصائب وهم المؤيدون من الله بالكون كله لو شاء. لكنه إنما أجرى الأمور على مستقر العادة (راجع: فصل في أن الدعوة الدينية من غير عصبية لا تتم)
ومعنى هذا أن التطور التاريخي يجري على وتيرة واحدة وحسب نظام ثابت لا يتغير أبداً.
أما العوامل الحقيقية المؤثرة في هذا التطور فإنما هي على رأي ابن خلدون، في الدرجة