للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على كذب وشرط بعضهم سبعين لقوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا} [الأعراف: ١٥٥] وإنما اختارهم ليخبروا قومهم. وشرط بعضهم ثلاثمائة وبضعة عشر بعدد أهل بدر؛ لأن الغزوة تواترت عنهم والبضع بكسر الباء، ومن العرب من يفتحها, وهو ما بين الثلاثة إلى التسعة، قاله الجوهري, وفي المحصول أن بعضهم شرط عدد أهل بيعة الرضوان وهم ألف وسبعمائة كما قاله في البرهان، وهذه الأقول كلها ضعيفة كما قاله المصنف؛ لأنها تقييدات لا دليل عليها, وما ذكروه فإنه بتقدير تسليمه لا يدل على كون العدد شرطا لتلك الوقائع، ولا على كونه مفيدا للعلم؛ لجواز أن يكون حصوله في تلك الصور من خواص المعدودين. قوله: "ثم إن أخبروا" يعني أن الجمع الذي يستحيل تواطؤهم على الكذب إن أخبروا عن عيان أي: مشاهدة فلا كلام, وإن نقلوا عن غيرهم فيشترط حصول هذا العدد أيضا في كل الطبقات, وهو معنى قولهم: لا بد من استواء الطرفين والواسطة، وتعبير المصنف بالعيان غير وافٍ بالمراد, فإن العيان بكسر العين هو الرؤية كما قاله الجوهري, والخبر قد لا يكون مستندا إليها. المسألة الرابعة: التواتر قد يكون لفظيا وهو ما تقدم، وقد يكون معنويا وهو أن ينقل العدد الذي يستحيل تواطؤهم على الكذب وقائع مختلفة مشتملة على قدر مشترك, كما إذا أخبر واحد بأن حاتما أعطى دينارا, وأخبر آخر أنه أعطى جملا وأخبر آخر أنه أعطى شاة وهلم جرا, حتى بلغ المخبرون عدد التواتر, فيقطع بثبوت القدر المشترك لوجوده في كل خبر من هذه الأخبار، والقدر المشترك هنا هو مجرد الإعطاء, لا الكرم أو الجود لعدم وجوده في كل واحد فافهمه. وقوله: جرا منون, قال صاحب المطالع: قال ابن الأنباري: معنى هلم جرا: سيروا وتمهلوا في سيركم, مأخوذا من الجر وهو ترك النعم في سيرها ثم استعمل فيما حصل الدوام عليه من الأعمال. قال ابن الأنباري: فانتصب جرا على المصدر أي: جروا جرا, أو على الحال, أو على التمييز. إذا علمت هذا علمت أن معنى هلم جرا في مثل هذا أنه استدعى الصور فانجرت إليه جرا، فعبر به مجازا عن ورود أمثال للأول.

<<  <   >  >>