ربَّ ليلٍ أرِقتُ فيه لبرق ... ضاحكٍ في ظلام ليلٍ عبوسِ
لاحَ في أفقهِ فخلتُ سناه ... لهباً ساطعاً بأعلى وَطيسِ
آخر:
أرقتُ لبرق سَرى موهِناً ... خفياً كغمزِكَ بالحاجبِ
كأنَّ تألقَه في السما ... يدا كاتبٍ أوْ يدا حاسبِ
وأما قول امرئ القيس:
أصاحِ ترى برقا أريك وَميضَهُ ... كلمعِ اليدين في حَبِيٍّ مكلَّلِ
فتفسيره قول الكميت:
كما انتظر المُسنِتونَ الربي ... عَ أومضَ برقاهُ ثمَّ اسْتطارا
وإذا أومض البرق مثنى مثنًى فهم لا يشكون في الغيث، ويشدون الرحال للنجعة وتتبع مساقط القطر ومواقع الكلأ. وعلى ذكر البرق فقد هفا أبو الفتح عثمان بن جني في تفسير قول المتنبي:
تبلُّ خديَّ كلَّما ابتسمت ... من مطر برقهُ ثناياها
وبيانه قول ابن الرومي:
وواضحٍ باردٍ به شنبٌ ... يعرقُ من شامَ برقَه مطرهْ
ينبت لألاؤه عذوبَتَه ... وليس يُخفي نسيمه خصرهْ
وذكر أبو الفتح أيضاً، في آخر كتاب المعرّب في القوافي، في قول بعض الخوارج يذكر الحجاج بن يوسف:
ولا الحجاج عَينيْ بنتِ ماء ... تُقلِّبُ طرفَها حذرَ الصُّقور
أنه ذليل. وحمله على معنى قول الله عز وجل:) ينظرون من طرف خفي (. أي نظراً بذلٍّ واستكانة؛ واستشهد به عليه.
وهذا البيت قد أنشده الرواة في كتب المعاني، وفسروه مصححاً: أن طيور الماء منسلقة الأجفان بلا أهداب. وكان الحجاج منسلق الأجفان بلا أهداب.
آخر:
وبدا لهُ من بعد ما انْدملَ الهوى ... برقٌ تتابعَ موهِناً لمعانهُ
يبدُو كحاشية الرِّداء ودونه ... صعبُ الذرا متمنِّعٌ أركانهُ
فالنَّارُ ما اشتملتْ عليه ضُلوعهُ ... والماءُ ما سحَّت بهِ أجفانهُ
عروة:
ألا لا أريدُ السَّيرَ إلاَّ مُصاعداً ... ولا البرقَ إلاَّ أن يكونَ يَمانيا
على مثلِ ليلى يقتلُ المرءُ نفسه ... وإنْ كنت من ليلى على اليأسِ ثاويا
ابن المعتز:
إذا تفرَّى البرقُ فيها خلتَه ... بطن شجاع في كثيب يضطَربْ
وتارةً تبصِره كأنَّه ... أبلقُ مالَ جلُّه حين وثبْ
وتارةً تخالهُ إذا بدا ... سلاسلاً مصقولةً من الذهبْ
وأخذ البيت الأول من قول عروة:
ألمْ تأرقْ لبرق باتَ يسري ... بأكنافِ الأراكةِ مستطيرِ
تكشفَ عائذٍ بلقاءَ تنفي ... ذكورَ الخيلِ عن ولدٍ صغيرِ
وأنشد أبو الفرج الأصفهاني لبعض إماء العرب:
أتربَيَّ من عُليا تميم بن عامرٍ ... أجدَّا البكا إنَّ التفرُّقَ باكرُ
أتربَيَّ عاقتني نوًى عن نواكما ... وشعبُ هوًى قد بانَ لي متشاجرُ
ألا تريانِ البرقَ باتَ كأنَّه ... روامحُ شقرٌ تتقيهِ الحوافرُ
فما مكثُنا دامَ الجميلُ عليكُما ... بنعمانَ إلاَّ أن تُردَّ الأباعرُ
الحسن بن وهب:
أما ترى البارقَ اليماني ... حقّاً يقيناً لقدْ شَجاني
ذكَّرني عارِضيْ سعادٍ ... تلكَ التي فاقتِ الغَواني
ففاضَ دمعي وأسلمتْهُ ... للوجدِ عينانِ تذرِفانِ
حبيبةٌ لي مُنعتُ منها ... فلا أراها ولا تَراني
وقد استعار أبو تمام لفظ البرق، وركَّب من البرق معنى اخترعه فقال:
برقٌ إذا برقُ غيثٍ باتَ مختطفاً ... للطَّرف أصبحَ للأعناقِ مختطفا
إلاَّ أن في لفظه كلفة. ولسهولة الألفاظ، وائتلاف مراتبها، والتحام أجزائها، وتناسب أبعاضها مدخلٌ في جودة الشعر، وبراعة النظم. ألا ترى فيما أنشده الرواة كم بين قول امرئ القيس:
كأنِّيَ لم أركبْ جواداً للذة ... ولم أتبطن كاعباً ذات خلخال
ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل ... لخيليَ كُرِّي كرة بعد إجفالِ
وبين قول عبد يغوث الحارثي:
كأني لم أركب جواداً ولم أقل ... لخيلي كري نفسي عن رِجاليا
ولم أسبأِ الزقَّ الرويّ ولم أقلْ ... لأيسار صدقٍ عظِّموا ضوءَ نارِيا
وقال عبد الله بن المعتز في قول أبي تمام:
جعلتَ الجودَ لألاءَ المساعي ... وهل شمسٌ تكونُ بلا شُعاعِ
كاد البيت يكون جيداً لو لم يقلْ لألاء.
وعلى هذا أنشد خالد بن كلثوم بشار بن برد قول المجنون: