للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشعرية التي صنعت قبله، وأوجد من مجموعها ديوانه. فقد تقدم رواية قصيدة على قصيدة، وقد تؤخر أخرى قصيدة متقدمة، فتقدم عليها قصيدة متأخرة، وقد يقدم ديوان بعض أبيات قصيدة، وقد يرتبها ديوان آخر ترتيبا آخر، لاعتماده على مورد آخر، روى القصيدة بصورة أخرى، وقد يذكر ديوان: شعرًا وقطعًا وقصائد أو قصيدة لا تكون موجودة في الدواوين الأخرى أو في بعض منها، ولهذا يأتي جامع جديد، تقع عنده تلك الدواوين، أو تكون عنده كتب شواهد ونوادر وأخبار، فيها من شعر الشاعر ما لم يرد في ديوانه فيضمه إليه، ويكون من المجموع ديوانًا جديدًا، برواية جديدة، تنسب إليه، كما فعل السكري بالنسبة لشعر امرئ القيس.

ومن أعرف من اشتغل بجمع أشعار القبائل: أبو عمرو الشيباني، وخالد بن كلثوم، والطوسي، والأصمعي، وابن الأعرابي، ومحمد بن حبيب١. ونظرًا لحفظهم أشعار القبائل، حفظوا بالطبع أشعار الشعراء الجاهليين، وحملهم ذلك على جمع أشعارهم في دواوين خاصة. وقد أضاف ابن النديم عليهم، اسم ابن السكيت، وثعلب٢. وكان الطوسي عدوًّا لابن السكيت، لأنهما أخذا عن نصران الخراساني، واختلفا في كتبه بعد موته. وكانت كتب نصران لابن السكيت حفظًا وللطوسي سماعًا٣.

ولم يرتب صناع الدواوين الشعر على حسب الترتيب الزمني، وإنما رتبوه على ترتيب القوافي، أي وفقًا لترتيب أبحدية القوافي. وقد يسر هذا الترتيب للقارئ الرجوع إلى الشعر الذي يريده، لكنه حرمه من شيء ثمين جدًّا، هو معرفة زمن نظم الشعر. وللزمن أثر كبير في الوقوف على تطور شعر الشاعر، وعلى مدى تقدمه أو تأخره في نظم الشعر، كما حرمه من الوقوف على العوامل التأريخية التي أثرت على الشاعر وعلى مجتمعه فدفعته إلى نظم شعره. ومع وجود بعض المراجع المساعدة من مثل كتب الأخبار والأدب والشواهد، فإن هناك أمورًا تأريخية تخص الشعراء الجاهليين والشعر الجاهلي، بقيت خافية علينا، بسبب عدم


١ الفِهْرِسْتُ "٢٢٩"، "المقالة الرابعة".
٢ الفِهْرِسْتُ "٢٣٠".
٣ الفِهْرِسْتُ "١١٢ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>