للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبَكَى على الشباب ووصف الراحلة كما فعلت الشعراء بالقصيد، فكان في الرجاز كامرئ القيس في الشعراء، وقال غيره أول من طوَّل الرجز الأغلب العجلي، وهو قديم. وزعم الجمحي وغيره أنه أول من رجز، ولا أظن ذلك صحيحًا، لأنه إنما كان على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نجد الرجز أقدم من ذلك.

ولكن لا شك في وقوع سهو في آخر كلام ابن رشيق، لأنه من الواضح أن الجمحي إنما أراد بقوله استعمال بحر الرجز في نظم الشعر مثل القصائد، فليس من الممكن أن رجلا عالمًا بتأريخ الشعر ودقائقه مثل الجمحي جهل ما هو متداول عند كل العلماء أن الرجز من أقدم فنون الشعر عند عرب الجاهلية. وقول الجمحي صواب تؤيده عدة نصوص منها شهادة العجاج من أشهر شعراء الأراجيز الذي قال مفتخرًا:

وإن يكن أمسي شبابي قد حسر ... وفترت مني البواني وفتر

إني أنا الأغلب أضحى قد نشر

يعني أنه أحيا طريقة شعر الأغلب. وهو الأغلب بن جشم العجلي عاش في الجاهلية مدة وأدرك الإسلام وأسلم وله شعر في سجاح لما تزوجت مسيلمة الكذاب"١.

والهزج نوع من أعاريض الشعر، من الأغاني وفيه ترنم٢. وهو باب معروف من أبواب الشعر عند الجاهليين، كباب الرجز، بدليل جعل الوليد بن المغيرة إياه صنفًا من أصناف الشعر. وقد عرف من كان يقول الهزج بالهزاج. وأهزج إذا هزج الهزج، أي قال به. والهزاجون طبقة امتازت عن غيرها بقولها الهزج، وكانوا يرددونه ترديد الغناء، ولذلك عد من الأغاني، وقالوا: الهزج صوت مطرب. قيل سمي بذلك تشبيهًا بهزج الصوت، وقيل لطيبه لأن الهزج من الأغاني٣. فهي إذن من الشعر الغنائي "Lyric"


١ كارلو ناليو، تأريخ آداب اللغة العربية "١٨٦ وما بعدها".
٢ اللسان "٢/ ٣٩٠ وما بعدها"، "هزج".
٣ تاج العروس "٢/ ١١٦"، "هزج".

<<  <  ج: ص:  >  >>