للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَرَبِيٌّ} ١، فكل ما فيه هو عربي إذن، والذين يجيزونه، يقولون: إن هذه الأحرف أصولها أعجمية، لكنها وقعت للعرب، فعربتها بألسنتها وحوّلتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها، فصارت عربية، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب، فمن قال: إنها عربية فهو صادق، ومن قال: أعجمية؛ صادق٢. فالخلاف إذن عقائدي لا صلة له باللغة، وبوقوع المعرب أو عدم وقوعه في العربية.

وهناك فريق آخر جماعته من المحدثين في الغالب ومن غير العرب، ذهب مذهبًا معاكسًا لمذهب من ذكرت تمامًا. تطرف في رأيه تطرفًا مسرفًا وبالغ في أحكامه مبالغة منكرة. رَجَع ألفاظًا عربية استعملها الجاهليون إلى أصول أعجمية، وادعى أنها من الألفاظ المعربة عن السريانية أو اليونانية أو اللاتينية أو العبرانية أو الفارسية، لمجرد ورودها أو ورود مشابه لها في تلك اللغات، وحجته في ذلك أن الجاهليين أميون أعراب وثنيون، وأن الألفاظ التي رأوا عجمتها هي ألفاظ حضارة لها مدلولات دينية أو سياسية أو اجتماعية أو حرفية أو غير ذلك، ولهذا لا يمكن أن تكون من صميم العربية، بل لا بد أن تكون طارئة عليها دخيلة في الأصل، ثم عربت، وفي هؤلاء المتعصب لجنسيته، مثل أن يكون سريانيًّا أو يهوديًّا، لهذا رجع تلك الألفاظ إلى لغته لتعصبه لها، والمتأثر بنظرية جهل الجاهليين وعدم وجود أي علم أو ثقافة لديهم، والمتعصب على الإسلام، لهذا رجع أكثر الألفاظ الحضارية إلى النصرانية أو اليهودية أو الفارسية، لإثبات أخذ الإسلام منها، وتعلم الرسول ديانته من تلك الديانات.

أما البحث العلمي الخالص، فهو ما كان بعيدًا عن كل الميول والاتجاهات والنزعات ودوافع التعصب، قائمًا على الحقائق والوقائع وفكرة البحث عن الحق للتوصل إليه. فالرأيان في نظري باطلان، بعيدان عن جادة العلم. وواجب الباحث في مثل هذه الأمور أن يتريث أولًا، وألا يبت في قرار إلا إذا كان متأكدًا من سلامة السبل التي سار عليها في الوصول إلى قراره، ولا سيما أن العربية والعبرانية والسريانية كلها من هذا الأصل الذي يطلق علماء الأجناس واللغات عليه:


١ فصلت، ٤٤.
٢ السيوطي، الإتقان "٢/ ١٠٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>