للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى ذهب "أبو ميسرة"، وهو من العلماء التابعين إلى أن "في القرآن كل لسان"، وروي مثله عن "سعيد بن جبير"، و"وهب بن منبه"١. ولو راجعنا أقوال العلماء في هذه المعربات التي درسوها وتحدثوا عنها لوجدنا أنهم قد أخطأوا في تشخيص الكثير منها، فلم يتمكنوا من الوقوف على أصولها، لعدم معرفة أكثر علماء العربية اللغات الأعجمية. نعم تمكن العارفون منهم بالفارسية من تشخيص المعربات عن الفارسية، غير أن منهم من زاد عليها وبالغ فيها، فأدخل في المعرب عن الفارسية ما ليس من الفارسية بشيء. وأدخل ألفاظًا عربية أصيلة في طائفة المعربات، مع أنها عربية جاهلية، وردت في نصوص المسند وفي النصوص الأخرى٢، وسبب إدخالهم لها ضمن المعربات، هو عدم إحاطتهم باللهجات العربية الجنوبية، وباللهجات الجاهلية الأخرى. فتخبطوا في تعيين الأصول، فترى بعض منهم يرجع معربًا إلى أصل عبراني، وتجد آخر يرجعه إلى أصل يوناني، بينما يرجعه ثالث إلى أصل حبشي، وقع ذلك بسبب عدم وقوف العلماء على اللغات الأجنبية واكتفائهم بالاستفسار من الأعاجم، ممن لم يكن لهم علم بعلوم اللغات، وإنما كانوا يعرفون الكلام بها، إذ لم يكونوا من أصحاب التضلع والتخصص، كما أن عصبية البعض منهم للسانهم دفعتهم أحيانًا إلى الاختراع وصنع الأجوبة الكاذبة، يضاف إلى ذلك عامل الادعاء بالعلم والفهم، مما يحمل صاحبه على الوضع والكذب.

وبين الباحثين في المعربات الواردة في القرآن جدل في وجود المعرب فيه، منهم من قال بوجوده، ومنهم من رد القول به ومنعه، فقال: "إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين، فمن زعم أن فيه غير العربية، فقد أعظم القول، ومن زعم أن كذا بالنبطية، فقد أكبر القول"، وقالوا: "ما ورد عن ابن عباس وغيره من تفسير ألفاظ من القرآن أنها بالفارسية أو الحبشية أو النبطية أو نحو ذلك، إنما اتفق فيها توارد اللغات فتكلمت بها العرب والفرس والحبشة بلفظ واحد". وبالغ بعضهم في نفي المعربات، حتى قال: "كل هذه الألفاظ عربية صرفة، ولكن لغة العرب متسعة جدًّا، ولا يبعد أن تخفى على الأكابر


١ السيوطي، الإتقان في علوم القرآن "٢/ ١٠٦"، "تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم".
٢ راجع الإتقان "٢/ ١٠٨ وما بعدها"، حيث تجد أمثلة عديدة على ما أقول.

<<  <  ج: ص:  >  >>