للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينهم من يقرأ ويكتب بالقلم الذي دوّن به القرآن الكريم، فصار القلم الرسمي للإسلام، بفضل تدوين الوحي به، كما كان بينهم من يكتب بقلم النبط وبقلم بني إرم. وكان بينهم من يكتب ويقرأ بقلمين أو أكثر.

وقد سبق أن ذكرنا أن الأحناف كانوا يكتبون ويقرءون، ورأينا بعضًا منهم كان يكتب بأقلام أعجمية، وكان قد وقف على كتب أهل الكتاب، وكانوا أصحاب رأي ومقالة في الدين وفي أحوال قومهم. وذكرت أنهم قالوا عن بعضهم، مثل "ورقة بن نوفل"، أنه كان "يكتب الكتاب العبراني، فيكتب بالعبرانية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب"١.

وقد ذكر "الهمداني" أن العرب كانت "تسمى كل من قرأ الكتب أو كتب: صابئًا، وكانت قريش تسمي النبي -صلى الله عليه وسلم- أيام كان يدعو الناس بمكة ويتلو القرآن صابئًا"٢. فالصباة على تفسير "الهمداني"، هم الكتبة وكل من قرأ الكتب، وعلى ذلك يكون الحنفاء في جملة الصباة.

وقد ذكر أهل الأخبار أنه كان لدى "الأكاسرة" ديوان خاص يدون فيه كل ما يخص عرب الحيرة وسائر العرب بالعربي، ويتولى أيضًا ترجمة كل ما يرد إلى الدولة بالعربية إلى الفارسية، ويترجم ما يصدر بالفارسية من الحكومة إلى العرب بالعربية، وأن في جملة من اشتغل في هذا الديوان وقام بالترجمة فيه "زيد العبادي"، أبو الشاعر الشهير "عدي بن زيد العبادي"، وزعم "ابن الكلبي" أن ملوك الحيرة كانوا يملكون دواوين فيها أخبارهم ومقدار مدد حكمهم وما قيل في مدحهم من شعر، وفي خبر صحيفة المتلمس وقراءة أحد غلمان الحيرة للصحيفة التي كان يحملها ما يشير إلى معرفة غلمان أهل الحيرة القراءة والكتابة٣. وفي كل هذه الروايات والأخبار تفنيد لزعم من ذهب إلى أن العرب قبل الإسلام كانوا جميعًا في جهالة وأمية.


١ الأغاني "٣/ ١٢٠".
٢ الإكليل "١/ ٤٤".
٣ الفهرست "ص١٢ وما بعدها"، بلوغ الأرب "٣/ ٣٦٨ وما بعدها" "فأعطى المتلمس كتابه بعض الغلمان فقرأه"، "فإذا أنا بغلام من أهل الحيرة يسقي غنيمة له من نهر الحيرة، فقلت: ياغلام. أتقرأ؟ قال: نعم. قلت: اقرأ" مجمع الأمثال "١/ ٤١٢ وما بعدها"، بلوغ الأرب "٣/ ٣٧٤"، النصرانية وآدابها "١/ ١٥٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>