للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالأشعث، لأنه كان يطلق شعر رأسه ولا يحلقه ولا يعتني به١.

ومن الرهبان من ساح في الأرض، فطاف بلاد العرب وأماكن أخرى، وهام على وجهه في البوادي وبين القبائل، لا يهمه ما سيلاقيه من أخطار ومكاره، ومنهم من ابتنى له بناء في الفيافي وفي الأماكن النائية، واحتقر الآبار وحرث البقول، وعاش عيشة جماعية، حيث يعاون بعضهم بعضًا في تمشية أمور الدير الذي يعيشون فيه٢. ومنهم من عاش في قلل الجبال، بعيدا عن المارة والناس. قال الشاعر:

لو عاينت رهبان دير في القلل ... لانحدر الرهبان يمشي ونزل٣

وقد وقف بعض أهل الجاهلية على أخبار هؤلاء الرهبان وعرفوا بعض الشيء عنهم، وبهم تأثر بعض الحنفاء على ما يظهر فأخذوا عنهم عادة التحنث والتعبد والانزواء والانطواء في الكهوف والمغاور والأماكن النائية البعيدة للتنسك والتعبد مبتعدين بذلك عن الناس منصرفين إلى التأمل والتفكر في خلق هذا الكون دون أن يدخلوا النصرانية.

وقد نهى الرسول بعض الصحابة مثل "عثمان بن مظعون"، وهو من النصارى في الأصل من تقليد الرهبان في الإخصاء وفي الامتناع عن الزواج ومن التشدد في أمور أحلها الله للناس٤. ويظهر أن هذا التشدد إنما جاء إليه وإلى أمثاله من وقوفهم على حياة الرهبان وعلى رأيهم وفلسفتهم بالنسبة لهذه الحياة. وفي حق هؤلاء نزلت الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ


١ تاج العروس "١/ ٦٣٨".
٢ تفسير الطبري "٢٧/ ١٢٤"، روح المعاني "٦/ ٨ وما بعدها"، تفسير الطبري "٧/ ٩وما بعدها"، تفسير الخازن "٧/ ٢٣٣ وما بعدها"، تفسير أبي السعود "٤/ ١٤١ وما بعدها".
٣ تفسير الطبري "٧/ ٤".
لو أبصرت رهبان دير في الجبل
لانحدر الرهبان يسعى ويصل
تفسير القرطبي، الجامع "٦م ٢٥٨".
٤ الدر المنثور "٢/ ٣٠٧"، مجمع البيان في تفسير القرآن "٧/ ٦ وما بعدها"، تفسير القرطبي "٦/ ٢٦٠ وما بعدها"، مجمع البيان "٢٧/ ١٥٨"، "طبعة دار الفكر. بيروت"، الدر المنثور، للسيوطي "٢/ ٣٠٧"، روح المعاني "٧/ ٣"، "٢٧/ ١٦٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>