للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد وزع أبناءه على القبائل، ليتولوا إدارة شئونها فعين ابنه شراحيل أو شرحبيل أو سلمة حاكمًا على بكر. فلما أعاد أنو شروان عرش الحيرة إلى أصحابه اللخميين، وانتكس الأمر مع الحارث، حتى اضطر إلى الهَرَب إلى ديار كلب أو غيرها، حيث لاقى مصيره بكيفية لم يتفق على وصفها الأخباريون، وقعت النفرة بين أولاده، ودَبَّ الخلاف بين أبنائه، فاقتتلوا، وتحزبت القبائل واقتتلت. ثمَّ وجد رؤساؤها أنها فرصة سانحة، فاستقلوا عن كندة، وعادت إلى ما كانت عليه من الفرقة والاستقلال. وترأس كليب وائل تغلب وبكرًا وقبائل معد، وقاتل جموع اليمن، وهزمهم، وعظم شأنه، وصار ملكًا زمانًا من الدهر، ثم داخله الزهو والغرور، فبغى على أتباعه، وحمى أكثر الأرضين، فلم يسمح لأحد بالرعي فيها إلا بإذنه، فقتله رجل من بكر اسمه "جساس" في قصة يرويها الأخباريون، فثارت تغلب، وطالب أخو كليب وهو "مهلهل" بالأخذ بالثأر من بكر. فجرت بين القبيلتين حروب طويلة استمرت على ما يذكر الأخباريون أربعين عامًا، هلك فيها خلق كثير وانتهت بمقتل جساس، وهلاك مهلهل في قصص مُنَمَّق من هذا القصص الذي يرويه أهل الأخبار١.

وقد أضعفت هذه الحروب القبيلتين ولا شك، وقد تدخل ملوك الحيرة في الأمر، فأصلحوا بينهم: أصلح بينهم المنذر بن ماء السماء على رواية، أو عمرو بن هند في رواية أخرى٢، وقد كانوا مع المنذر الثالث في غزوته التي غزا بها الغساسنة، كما كانوا مع النعمان بن المنذر. وقد حاربوا الفرس مع بني شيبان، فانتصروا عليه في معركة ذي قار. وكان يؤيد الفرس من العرب تغلب وطيء وإياد وبهراء وقضاعة والعباد والنمر بن قاسط. وقد اتفقت إياد سرًّا مع بكر بن وائل، فانهزمت حين اشتباك المعركة، فانهزمت الفرس ومن ساعد الفرس من القبائل التي اشتركت معها تأييدًا لإياس بن قبيصة، أو بغضًا لبكر كما هو شأن تغلب، أو طمعًا في ربح من الفرس أو رغبة في التقرب إليهم. وقد كان لهذه المعركة أثر كبير في نفوس القبائل، ومركزها مع الفرس.


١ أبو الفداء "١/ ٧٧ وما بعدها"، ابن خلدون "٢/ ٣٠١".
٢ الأغاني "١١/ ٢٢، ٤٤ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>