للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المخجلة التي لحقت به. فكاتب الملكة طالبًا منها التسليم والخضوع للرومان لتنال السلامة وتستحق العفو، فيسمح لها بالإقامة مع أسرتها في مدينة يعينها مجلس الشيوخ لها. أما جواب الملكة، فكان: "إن ما التمسته مني في كتابك لم يتجاسر أحد من قبلك أن يطلبه مني برسالة. أنسيت أن الغلبة بالشجاعة، لا بتسويد الصفحات. إنك تريد أن أستسلم لك. أتجهل أن كليوبترة "كليوبطرة" قد آثرت الموت على حياة سبقها عار الدبرة، فها أنا ذي منتظرة عضد الفرس والأرمن والعرب "Saracens" لفل شباتك وكسر شوكتك. وإذا كان لصوص الشأم قد تغلبوا عليك وهم منفردون، فما يكون حالك إذا اجتمعت بحلفائي على مقاتلتك. لا شك أنك ستذل وتخنع لي فتجرد نفسك من كبريائها التي حملتك على طلب المحال كأنك مظفر منصور في كل أين وآن"١.

لم ينجد الفرس ملكة الشرق، ولم يرسلوا إليها مددًا ما. فقد كانوا هم أنفسهم في شغل شاغل عنها. توفي "سابور" الأول في عام "٢٧١" للميلاد، فتولى "هرمز" "Ormidus" الملك من بعده، وكان رجلًا ضعيفًا خائر القوى،

فعزل بعد سنة قضاها ملكًا، وظهرت فتن داخلية بسبب ذلك لم تسمح للفرس وهم في هذه الحال أن يرسلوا قوة لمساعدة ملكة البادية عدوة "أورليانوس" قيصر الروم. وأما القبائل، فأمرها معروف، إنها مع القوي ما دام قويًّا، فإذا ظهرت عليه علائم الضعف، صارت مع غيره، تحرش قسم منها بجيوش الرومان المحاصرة للمدينة هاجمتها، غير أنها منيت بخسائر فادحة، فتركت التحرش بالمحاصرين. ورأى قسم منها الاتفاق مع القيصر، ففي الاتفاق الربح والسلامة. وما الذي يجنيه سادات القبائل من ملكة محاصرة، لم يبق من ملكها غير مدينة في بادية وثروة سيستولي عليها الرومان. وإن بقيت لها فلن يصيبها منها ما يصيبهم من القيصر من مال كثير، ومن لقب وجاه يأتيهم من حاكم مدني قوي، وقد عرف القيصر فيهم هذه الخصلة فاشترى أنفس الرؤساء بالمال. فأمن بذلك شر القبائل، وسلم من عدو يحسب لعداوته ألف حساب٢.


١ المشرق، الجزء المذكور "ص ١٠٣٨".
Oberdick, S., ١٠٩, Flav. Vop. Aur., ٢٦, ٢٧, Wright, P.١٥٧, Vaughan, P.١٧٣.
٢ Oberdick, S., ١٠٨, III.

<<  <  ج: ص:  >  >>