للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشباه مستقرين، وآخرون مستقرون تكاد منازلهم تكون ثابتة، ولهم نظام يمكن أن نسميه نظام حكومة، ويدير شئونهم سادات منهم، يشرفون على أعرابهم ويرعون طرق القوافل التي تمر بأرضهم؛ لأنها تأتي لهم بفوائد كبيرة١.

ومن الإمارات التي يرجع كثير من الباحثين أصول حكامها إلى أصول عربية: الحضر Hetra، و"إمارة حمص" Emesa و"إمارة الرها" Edessa، والرصافة، وتدمر، وإمارات أخرى. وهي إمارات لا يمكن أن نقول: إن ثقافتها كانت ثقافة عربية، وإن غالب سكانها كانوا من العرب، ولكننا نستطيع أن نقول: إن العرب كانوا يتحكمون فيها، وإن هنالك أدلة تزداد يومًا بعد يوم، تزيد في الاعتقاد بأن العنصر العربي كان قويًّا فيها، وأن سكانها كانوا عربًا، ولكنهم تأثروا بالمحيط الذي عاشوا فيه، فتثقفوا على عادة تلك الأيام بثقافة بني إرم، واتخذوا من لسان بني إرم لسانًا لهم في الكتابة، ومن قلم بني إرم قلمًا لهم يكتبون به, ويعبرون عن إحساسهم وشعورهم وعلمهم به.

أما "الحضر"، فهي اليوم آثار شاخصة في البرية بوادي الثرثار جنوب غربي الموصل، على بعد "١٤٠" كيلومترًا منها. ولعلماء الآثار آراء في أصل التسمية، فمنهم من ذهب إلى أنها من أصل إرمي، ومنهم من ذهب إلى أنها من أصل عبراني إرمي، ومنهم من رجح أنها من أصل عربي، بمعنى "الحيرة" أي: "العسكر"، وقد عرف بـ"أترا" Atra و Atrai في اليونانية، وبـ"هترا" Hatra في اللاتينية٢. وهي "حطرا" في الكتابات التي عُثر عليها في الحضر٣.

ويرى "هرتسفلد" E. Herzfeld أن القبائل العربية هي التي أسست هذه المدينة، أسستها في القرن الأول قبل الميلاد حصنًا منيعًا أقام ساداتها فيه مستفيدين من الخلاف الذي كان بين الفرث واليونان، حيث استغلوه بذكاء وحنكة، فحصلوا على أموال من الجانبين، لما لموضعهم من الشأن العسكري والسياسي والاقتصادي. وكانوا كلما ازداد مالهم وبرزت أهميتهم، ازدادت المدينة توسعًا وبهاء وعمرانًا، حتى صارت


١ Die Araber, I, S. ٢٧٤
٢ Brockelmann, Lexi, Syriacum, ١٩٢٨, ٢٢٨, Levy – Goldschmid Worterbuch Uber Die Talmudim Und Midraschim, Bd., ٢, ١٩٢٢, ٤٠a, Die Araber, I, S. ٢٧٥
٣ Die Araber, I, S. ٢٧٥, Ii, S. ٢٢٥

<<  <  ج: ص:  >  >>