للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قَالُوا: حَدِيثَانِ مُتَنَاقِضَانِ

١٤- تَفْضِيلُ النَّبِيِّ:

قَالُوا: رَوَيْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى، وَلَا تُخَايِرُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ" ١.

ثُمَّ رُوِّيتُمْ أَنَّهُ قَالَ: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، وَلَا فَخْرَ" ٢.

قَالُوا: وَهَذَا، اخْتِلَافٌ وَتَنَاقُضٌ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:

وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّهُ لَيْسَ هَهُنَا اخْتِلَافٌ وَلَا تَنَاقُضٌ.

وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لِأَنَّهُ الشَّافِعُ يَوْمَئِذٍ، وَالشَّهِيدُ، وَلَهُ لِوَاءُ الْحَمْدِ وَالْحَوْضُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ.

وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: "لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُس" طَرِيقِ التَّوَاضُعِ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "وُلِّيتُكُمْ، وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ".

وَخَصَّ يُونُسَ لِأَنَّهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، مِثْلُ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى، وَعِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ أَجْمَعِينَ.

يُرِيدُ فَإِذَا كُنْتُ لَا أُحِبُّ أَنْ أُفَضَّلَ عَلَى يُونُسَ، فَكَيْفَ غَيْرُهُ، مِمَّنْ هُوَ فَوْقه


١ البُخَارِيّ: أَنْبيَاء ٣٥، وَمُسلم: فَضَائِل ١٥٩.
٢ طَبَقَات ابْن سعد جـ١ ق١ ص١، ٣. وَهُوَ فِي صَحِيح مُسلم رقم ٢٢٧٨.

<<  <   >  >>