أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} ، فقال في الإيتاء:{مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} ، وقال في التوكل:{وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} ولم يقل (ورسوله) أن الإيتاء هو الإعطاء الشرعي، وذلك يتضمن الإباحة والإحلال الذي بلغه الرسول، فإن الحلال ما أحله الله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه، قال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، وأما الحسب فهو الكافي والله وحده هو كاف عبده، كما قال تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} فهو وحده حسبهم كلهم، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين هو الله، فهو كافيكم كلكم وليس المراد أن الله والمؤمنين حسبك كما يظنه بعض المغالطين، إذ هو وحده كاف نبيه، وهو حسبه ليس معه من يكون هو وإياه حسبا للرسول، وهذا في اللغة كقول الشاعر:"فحسبك والضحاك سيف مهند"، وتقول العرب:"حسبك وزيدا درهم" أي يكفيك وزيدا جميعا درهم وقال في الخوف والخشية والتقوى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} فأثبت الطاعة لله وللرسول وأثبت الخشية والتقوى لله وحده، كما قال نوح عليه السلام:{إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} فجعل العبادة والتقوى لله وحده وجعل الطاعة له، فإنه من يطع الرسول فقد أطاع الله، وقد قال تعالى:{فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} ، وقال تعالى:{فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ، وقال الخليل عليه السلام:{وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ، وقال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} . وفي الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال: "لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: وأينا لم يظلم نفسه؟، فقال النبي