على ذلك, وما لم تعقله عقولنا فلنعلم أن القصور في عقولنا وليس في شرع الله وأمره, وحقيقة الأمر أنه لا يوجد في إثبات القدر ما يتعارض مع العقل السليم, لأن إثبات القدر هو إثبات لكمال الربوبية والملك والتصرف للخالق جل وعلا في عباده وخلقه. ولا يجوز الاعتراض على المالك إذا تصرف في ملكه, كما أن الله عز وجل في جميع تدبيراته وتصرفه في خلقه وكذا شرعه وأمره صادر عن حكمة بالغة, كما ذكرنا.
٣ - أن الإرادة في القرآن الكريم على نوعين.
إن الإرادة المضافة لله عز وجل في القرآن الكريم على نوعين:
أ - إرادة كونية قدرية: وهي تعني إرادة إيجاد الشيء وخلقه, وهذا النوع من الإرادة لابد من وقوعه, فإنه لا يتخلف, إلا أنه لا يتعلق بالمحبة والرضا, فقد يكون مما يحب الله عز وجل مثل طاعة المؤمنين وعباداتهم التي أراد الله وقوعها منهم, وقد تكون الإرادة مما لا يحب الله عز وجل مثل كفر الكافرين ومعصية العصاة الواقعة منهم, فإنها لم تقع منهم إلا بعد إرادة الله وقوعها, لكن الله عز وجل لا يحبها بل يبغضها ويكرهها, وإن كانت واقعة بإرادته الكونية القدرية.
ومن الأدلة على الإرادة الكونية القدرية قول الله عز وجل: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام ١٢٥]
وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة ٢٣٥]
وقال تعالى: {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود ٣٤]
فهذه الآيات وردت فيها الإرادة المضافة إلى الله عز وجل ومنها مايحبه الله عز وجل مثل الهداية بشرح الصدور, ومنها ما لا يحبه مثل الضلال والقتل والغواية. ولكن