المتكلمون عموماً كما سبق بيانه اعتمدوا على أصول وقواعد سموها أدلة وبراهين عقلية زوراً وبهتاناً، وإنما هي تصورات ذهنية وخيالات وأوهام مستوردة من فلاسفة اليونان الوثنيين, ألبسها المتكلمون لباس الإسلام, وأدخلوها في صلب طريقتهم في معرفة الله عز وجل فأثمرت لهم نتائج فاسدة باطلة مخالفة لكلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم بل مخالفة للعقل السليم.
ومن أهم القواعد التي قعدوها في باب معرفة الله عز وجل هو: اعتمادهم على العقل في معرفة الله عز وجل وبناء عليه جعلوا الشرع تابعاً له لا متبوعاً, وهذا منهم التزام بمسلك الفلاسفة الذين راموا التعرف على الله عز وجل بالعقل, فتوصلوا بناءً على النظر في المخلوقات إلى أن الكون مكون من مادة وصورة, وأنها قديمة أزلية وأن هناك موجودا أعلى هو الذي تولى ترتيبها وانبثاق المخلوقات منها وهذا الموجود يزعمون بأنه:"عقل أوحد لا يتغير ولا يتحرك" وهو أزلي لا بداية لوجوده.
فدرج المتكلمون على هذا المدرج فراموا إثبات وجود الله عز وجل من خلال النظر في مخلوقاته بالطريقة التي سلكها الفلاسفة, وقالوا بما قال به الفلاسفة من تقسيم المخلوقات إلى مادة وصورة إلا أنهم جعلوا بدل المادة الجوهر أو الجسم وبدل الصورة العرض، وخالفوهم بأن قالوا: بحدوث الجواهر والأعراض، بخلاف دعوى الفلاسفة الذين قالوا بقدمها.
وحتى يثبت المتكلمون وجود الله عز وجل استخدموا مايسمونه: دليل حدوث الجواهر والأجسام والأعراض, وحتى يقرروا ذلك قدموا بست مقدمات - وقد سبق ذكرها في الفصل الأول - توصلوا من خلالها إلى إثبات حدوث الأجسام،ثم قرروا بناء على ذلك أن لها محدثا هو الله عز وجل, إلا أن هذا الطريق أوصلهم إلى أن نفوا عن الله عز وجل كل ما جعلوه دليلا على حدوث الأجسام أو الأعراض فأداهم ذلك إلى أن قالوا بمثل دعوى الفلاسفة في الله من أنه: عقل أوحد لا يتغير ولا يتحرك, وهم وإن لم يعبروا بهذا التعبير نفسه فإنهم التزموا مدلوله وهو أن الله لا يمكن أن يكون جسماً.