وإن شئت قلت: عطف «نعمل» بالرفع لفظا وهو ينوى أنه جواب، أى إن شاء الله ذلك مشيئة إلجاء عملنا لا محالة، فيعطفه لفظا وهو يريد الجواب على ما مضى.
***
{يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ}(٥٤) ومن ذلك قراءة حميد: «يغشى»، بفتح الياء والشين، ونصب «الليل»، ورفع «النهار».
قال أبو الفتح: اتصال قوله تعالى: «يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ» بقوله: {ثُمَّ اِسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ} اتصال الحال بما قبلها، ويكون هناك عائد منها إلى صاحبها وهو الله تعالى، أى يغشى الليل النهار بأمره أو بإذنه، وحذف العائد كما يحذف من خبر المبتدأ فى نحو قولهم: السّمن منوان بدرهم، أى منوان منه بدرهم.
ودعانا إلى إضمار هذا العائد أن تتفق القراءتان على معنى واحد، ألا ترى إلى قراءة الجماعة:{يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ}، وأن هذه الجملة فى موضع الحال، أى استوى على العرش مغشيا الليل النهار، أى استوى عليه فى هذه الحال. فقوله إذا:{يَطْلُبُهُ حَثِيثاً} بدل من قوله: «يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ» للتوكيد، وهو على قراءة الجماعة:«يغشى» أو «يغشّى» حال من الليل، أى يغشّى الليل النّهار طالبا له حثيثا، وحثيثا بدل من طالب أو صفة له؛ لأن طالبا لو كان منطوقا به حال هناك، والحال عندنا فوصف من حيث كانت فى المعنى خبرا، والأخبار توصف، لكن الصفات عندنا لا توصف.
وإن شئت يكون «حَثِيثاً» حالا من الضمير فى يطلبه، وفيه من بعد هذا ما أذكره.
وذلك أن الفاعل فى المعنى فى أحد المفعولين فى قراءة الجماعة هو الليل؛ لأنه المفعول الأول، كقولك: أعطيت زيدا عمرا، فزيد هو الآخذ وعمرو هو المأخوذ، وأغشيت جعفرا خالدا، فالغاشى جعفر والمغشىّ هو خالد، والفاعل فى قراءة حميد هو النهار؛ لأنه مرفوع:«يغشى الليل النهار» فالفاعلان والمفعولان جميعا مختلفان على ما ترى.
ووجه صحة القراءتين جميعا والتقاء معنييهما أن الليل والنهار يتعاقبان، وكل واحد