قال أبو الفتح: ظاهر هذه القراءة يوجب التوقف عنها والاحتشام منها؛ وذلك لأن فيها ضمة الياء الخفيفة المكسور ما قبلها، وهذا موضع تعافه العرب وتمتنع منه.
ألا ترى إلى قول الله سبحانه:{فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ} وأصله العاديون، فاستثقلت الضمة على الياء، فأسكنت وحذفت لسكونها وسكون الواو بعدها؟ فكان يجب على هذا أن يكون الحوارون كالقاضون والساعون، إلا أن هنا غرضا وفرقا بين الموضعين يكاد يقنع مثله، وذلك أن أصل هذه الياء أن تكون مشددة، وإنما خففت استثقالا لتضعيف الياء، فلما أريد فيها معنى التشديد جاز أن تحمّل الضمة تصورا لاحتمالها إياها عند التشديد، كما ذهب أبو الحسن فى تخفيف يستهزيون إلى أن أخلص الهمزة ياء البتة وحمّلها الضمة تذكّرا لحال الهمز المراد فيها: وكما قال فى مثال عضرفوط من قرأت: قرأ يوء، فأبدل الهمزة الثانية التى كانت فى قرأءوء ياء، ثم ضمها بعد أن أخلصها ياء وجرت مجرى الياء التى لا حظّ فيها لشئ من الهمز.
فإن قيل: فأى الياءين حذف من الحواريين؟.
قيل: المحذوفة هى أشبهها بالزيادة، وهى الأولى لأنها بإزاء ياء العطاميس والزناديق.
فإن قيل: فبالثانية وقع الاستثقال، فهلا حذفت دون الأولى؟.
قيل: قد يغير الأول من المثلين تخفيفا كما يغير الآخر. وذلك قوله:
يا ليتما أمّنا شالت نعامتها … أيما إلى جنة أيما إلى نار
يريد أمّا، وكذلك القول فى قيراط ودينار وديماس فيمن قال: دماميس، وديباج فيمن قال: دبابيج. وقد حذفت هذه الياء فى الواحد من هذا الجمع. أنشدنا أبو على وقرأته عليه أيضا فى نوادر أبى زيد:
بكّى بعينك واكف القطر … ابن الحوارى العالى الذكر
يريد الحوارىّ. وقد خففت ياء النسب فى غير موضع مع كونها مفيدة لمعنى النسب، فكيف بها إذا كان لفظها لفظ النسب ولا حقيقة له هناك؟ ألا ترى أن الحوارىّ بمنزلة كرسى فى أنه نسب لفظى، ولا حقيقة إضافة تحته؟.