مِنْهَا مشروبها، فسحبها متغيرة، وكواكب أذمانها النيرة متحيرة، وأقطارها جد شاسعة، وأزقتها حرجة غير وَاسِعَة، وآبارها تفسدها أدبارها، وطعامها لَا يقبل الاختزان، وَلَا يحفظ الْوزان، وفقيرها لَا يُفَارق الأحزان، وجوعها يَنْفِي بِهِ هجوعها، تحث على الأمواج أقواتها، وَتَعْلُو على الموازين غير الْقسْط أصواتها، وأرحيتها تطرقها النوائب، وتصيب أهدافها السِّهَام الصوائب وتعدلها الجنايب، وتستخدم فِيهَا الصِّبَا والجنايب، وديارها الآهلة، قد صم بالنزائل صداها، وأصبحت بَلَاقِع بِمَا كسبت يداها، وَعين أعيانها أثر، ورسم مجادتها قد دثر، والدهر لَا يَقُول لَهَا لمن عثر، وَلَا ينظم شملا إِذا انتثر، وَكَيف لَا يتَعَلَّق الذام، بِبَلَد يكثر بِهِ الجذام، عِلّة بلواه آهلة، والنفوس بمعرة عدواه جاهلة. ثمَّ تَبَسم عَن انْشِرَاح صدر، وَذكر قصَّة الزبْرِقَان بن بدر:
(تَقول هَذَا مجاج النَّحْل تمدحه ... وَإِن ذممت فَقل فيىء الزنابير)
(مدح وذم وَعين الشي وَاحِدَة ... إِن الْبَيَان يرى الظلماء فِي النُّور)
قلت فبلش قَالَ جادها الْمَطَر الصيب، فَنعم الْبَلَد الطّيب، حلى وَنحر، وبر وبحر، ولوز وتين، وسبت من الْأَمْن متين، وبلد أَمِين وعقار ثمين، وفواكه من عَن شمال وَيَمِين، وفلاحة مدعي إنجابها لَا يَمِين. إِلَّا أَن التشاجر بهَا أقمى من الشّجر، والقلوب أقسى من الْحجر، ونفوس أَهلهَا بَيِّنَة الْحَسَد والضجر، وشأنها غيبَة ونممة، وخبث مَا بهَا على مَا سوخ الله من آلائها ثميمة.
قلت فقمارش، قَالَ مُودع الوفر، ومحط السّفر، ومزاحم الفرقد والقفر، حَيْثُ المَاء الْمعِين، والقوت الْمعِين، لَا تخامر قلب الثائر بِهِ خطْوَة وجله. إِلَّا من أَجله. طالما فزعت إِلَيْهِ النُّفُوس الْمُلُوك الأخاير بالذخاير، وَشقت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute