ثُمَّ قَامَتْ فَدَخَلَتْ عَلَى الْجَارِيَةِ فَسَلَّمَتْ عَلَيْهَا وَحَادَثَتْهَا سَاعَةً وَقَدْ كَانَ وَقَعَ إِلَى الْجَارِيَةِ خَبَرُهُ فَعَلِمَتْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِهَا فَقَالَتْ لَهَا الْمَرْأَةُ يَا بُنَيَّةُ أَبْلَيْتِ شَبَابَكِ وَأَفْنَيْتِ أَيَّامَكِ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ
قَالَتْ يَا عَمَّتَاهُ أَيَّةُ حَالِ سُوءٍ تَرَيْنِي عَلَيْهَا قَالَتْ لَا يَا بُنَيَّةُ وَلَكِنْ مِثْلُكِ يَفْرَحُ فِي الدُّنْيَا وَيَلَذُّ بِبَعْضِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ غَيْرَ تَارِكَةٍ لِطَاعَةِ رَبِّكِ وَلا مُفَارِقَةٍ لِخَدْمَتِهِ فَيَجْمَعُ اللَّهُ لَكَ بِذَلِكَ الدَّارَيْنِ جَمِيعًا
قَالَتْ يَا عَمَّتَاهُ وَهَذِهِ الدَّارُ دَارُ بَقَاءٍ تَثِقُ بِهِ الْجَوَارِحُ فَتَجْعَلُ لِلَّهِ شَطْرَهَا وَلِلْدُنْيَا شَطْرَهَا أَمْ دَارُ فَنَاءٍ قَالَتْ لَا يَا بُنَيَّةُ بَلْ دَارُ فَنَاءٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ لِعِبَادِهِ فِيهَا سَاعَاتٍ صَدَقَةً مِنْهُ عَلَى النُّفُوسِ تَنَالُ فِيهَا مَا أُحِلَّ فَقَالَتْ صَدَقْتِ وَلَكِنْ لِلَّهِ عِبَادًا قَدْ سَكَنَتْ نُفُوسُهُمْ وَرَضِيَتْ بِالصَّبْرِ عَلَى الطَّاعَةِ لِتَنَالَ جُمْلَةَ الْكَرَامَةِ وَإِنَّ كَلامَكِ لَيَدُلَّنِي عَلَى أَنَّ تَحْتَهُ عِلَّةٌ وَهُوَ الَّذِي حَمَلَكِ عَلَى مُنَاظَرَتِكِ لِي عَلَى مِثْلِ هَذَا
وَقَدْ كُنْتُ وَاللَّهِ أَظُنُّ قَبْلَ الْيَوْمِ فِيكِ أَنَّكَ تَأْمُرِينَ بِالْحِرْصِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِالأَعْمَالِ الزَّكِيَّةِ فَقَدْ أَصْبَحْتِ مُتَغَيِّرَةً عَمَّا عَهِدْتُكِ عَلَيْهِ فَأَخْبِرِينِي بِمَا عِنْدَكِ
فَقَالَتْ يَا بُنَيَّةُ إِنَّ مِنْ قِصَّةِ فُلانٍ كَذَا وَكَذَا
قَالَتْ قَدْ ظَنَنْتُ ذَلِكَ فَأَبْلِغِيهِ مِنِّي السَّلامَ وَقُولِي أَيْ أَخَاهُ إِنِّي وَاللَّهِ قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي لِمَلِيكٍ يُكَافِئُ مَنْ أَقْرَضَهُ بِالْعَطَايَا الْجَزِيلَةِ وَيُعِينُ مَنِ انْقَطَعَ إِلَيْهِ وَخَدَمَهُ وَلَيْسَ إِلَى الرُّجُوعِ بَعْدَ الْهِبَةِ سَبِيلٌ
فَتَوَسَّلْ إِلَى مَوْلاكَ بِمَحَابَّةٍ وَاضْرَعْ إِلَيْهِ فِي غُفْرَانِ مَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ مِنْ عَمَلٍ لَمْ تَهِبْهُ فِيهِ فَهُوَ أَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَسْأَلَهُ وَأَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَيَّ أَنْ أَعِظُكَ بِهِ فَإِذَا خَدَمْتَهُ قَدْرَ مَا عَصِيتَهُ طَابَ لَكَ الْفَرَاغُ عَنْ سُؤَالِ شَهَوَاتِ الْقُلُوبِ وَخَطَرَاتِ الصُّدُورِ فَإِنَّهُ لَا يُحْسَنُ بِعَبْدٍ كَانَ لِمَوْلاهُ عَاصِيًا أَنْ يَنْسَى ذُنُوبَهُ وَالاعْتِذَارِ مِنْهَا وَيَسْأَلُ الْحَوَائِجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute