للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للخصوصية العامة للدولة. وغياب هذا التصور والفهم سيؤدِّي بالمسلم إلى التصرف كما لو أنَّه في بلدٍ مسلمٍ ـ مثل مكة أو المدينة ـ، فيعمد إلى انتهاك خصوصية المجتمع الذي هو فيه، مما يُدخله في صراع واصطدام يتعذَّر معه التعايشُ على أساسٍ من الثقة والاحترام. ومثل هذا الجهل هو الذي أدَّى ببعض المسلمين في بلدٍ مثل بريطانيا إلى المطالبة بتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية فيها!

وجه تنزيل أحكام هذا الكتاب على الواقع المعاصر

لقائلٍ أَنْ يقولَ هاهنا ـ معترضًا ـ: إن هذا المبحث أبرز إشكالاً موضوعيًّا في منهجية هذا الكتاب الذي يستند أساسًا إلى النصوص الشرعية بفهم الفقهاء المتقدِّمين لتقرير الواجب الدِّينيِّ على المسلم المقيم في دولةٍ غير مسلمةٍ، وهي في نظر أولئك الفقهاء «دار حرب» ولا بدَّ، بينما يرى الباحث أن صفة «الحرب»؛ قد انتفت ـ ابتداءً ـ عنها في هذا العصر، فلا وجهَ ـ إذن ـ لاقتباس تلك النصوص التي لم تعُدْ لمسوِّغاتها الدينيَّة والتشريعيَّة وجود في الواقع المعاصر؟

والجواب على هذا الاعتراض والاستشكال من وجوهٍ عديدةٍ، ألخصُّها فيما يلي:

أولاً: إنَّ المقصد الأسمى لهذا الكتاب هو التأكيد على مفاهيم الحقِّ والعدل والرحمة والصِّدق والوفاء والأمانة في تعامل المسلم مع غير المسلم، وهذه المفاهيم مبنيَّةٌ على أحكامٍ دينيَّةٍ وأخلاقيَّةٍ ثابتةٍ، لا يدخل عليها نسخٌ، ولا تقبلُ التَّغييرَ، فلا يجوز الاستخفافُ بها أو تضييعها؛ مهما تغيَّر المكانُ والزمانُ والحالُ، أو اختلفتِ الآراءُ والاجتهاداتُ.

ثانيًا: إنَّ انتفاء صفة الحرب عن دار الكفر هو انتقال من الحكم الأشدِّ إلى الحكم الأخفِّ، ونصوص الفقهاء متعلِّقة بدار الحرب ـ حالاً أو مآلاً ـ، فيصحُّ تنزيلها على كلِّ دار كفرٍ غير حربٍ من باب الأَولَى، بل هي في هذه

<<  <   >  >>