للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمَّا إذا كُنَّا في قومٍ لا يُعتبر ذلك من أخذ الزِّينة، فإنَّا لا نقول: إنَّ ستره أفضلُ، ولا إنَّ كشفه أفضل». (١)

فبيَّن هذان العالمان الجليلان ـ رحمهما الله تعالى ـ أنَّ تغطية الرَّأس من عادات المسلمين التي تختلف من بلدٍ إلى آخر، فكيف إذا كان المسلمُ في بلدٍ لغير المسلمين؟ لا شكَّ أنَّ الحرجَ مرفوعٌ عنه في موافقته لأهل البلد في هذه المسألة، وهو إلى ذلك موافقٌ لإحدَى الطائفتين من المسلمين.

وهذه المسألة تخفَى على كثيرٍ من طلبة العلم والدعاة إلى الله تعالى في بلاد الغرب ـ بَلْهَ غيرهم ـ، وربَّما شدَّد فيها بعضُهم فوقعَ في حرجٍ شديدٍ، واطَّلعنا من ذلك في واقع الشَّباب الملتزم، المحبِّ لدينه ـ من غير فقهٍ ـ على أمورٍ عجيبةٍ، والله المستعان.

المثال الثالث: لُبس البنطلون (البنطلون) والمعطف (الجاكيت) وغيرهما من الألبسة للرِّجال؛ إنْ استوفتْ الشروطَ الشرعيَّة لستر العورة:

وقد أفتَى بجواز ذلك جماعة من كبار العلماء في هذا العصر، فقالوا: «الأصل في أنواع اللباس الإباحة؛ لأنه من أمور العادات، قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٣٢]، ويُستثنَى من ذلك ما دلَّ الدَّليل الشرعيُّ على تحريمه أو كراهته كالحرير للرِّجال، والذي يصف العورةَ لكونه شفَّافًا يُرَى من ورائه لونُ الجلد، أو ككونه ضيِّقًا يحدِّد العورةَ، لأنَّه حينئذٍ في حكم كشفها، وكشفُها لا يجوزُ، وكالملابس التي هي من سِيمَا الكفَّار الخاصَّة بهم، فلا يجوز لبسها لا للرِّجال ولا للنِّساء، لنهي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عن التشبُّه بهم، وكلبس الرِّجال ملابسَ النساء، ولبس النِّساء ملابس الرِّجال، لنهي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عن تشبُّه الرِّجال بالنِّساء والنِّساء بالرِّجال. ولَيْسَ اللِّباس المسمَّى بالبنطلون


(١) «الشرح الممتع على زاد المستقنع» ٢/ ١٦٦.

<<  <   >  >>