للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشرك؛ كسائر الفواحش والمعاصي، ولأنَّ كل عقد حَرُمَ بين المسلم والذميِّ حَرُمَ بين المسلم والحربيِّ كدار الإسلام، ولأنَّه عقدٌ فاسدٌ فوجب ألا يستباح به المعقود عليه كالنِّكاح. فأمَّا احتجاجُه بحديث مكحولٍ فهو مرسلٌ، والمراسيل عندنا ليست حجةً. فلو سُلِّمَ لهم لكان قوله: «لا ربا» يحتمل أن يكون نفيًا لتحريم الرِّبا، ويحتمل أن يكون نفيًا لجواز الرِّبا. فلم يكن لهم حَمْلُهُ على نفي التَّحريم إلا ولنا حَمْلُه على نفي الجواز، ثم حملُنا أولَى لمعاضدة العموم له. وأمَّا احتجاجُه بأنَّ أموالَهم يجوز استباحتها بغير عقدٍ فكان أولى أن تستباح بعقدٍ؛ فلا نُسلِّم إذا كانت المسألةُ مفروضةً في دخوله إليهم بأمانٍ، لأنَّ أموالهم لا تستباح بغير عقدٍ، فكذا لا يستبيحها بعقدٍ فاسدٍ. ولو فرضت المسألة مع ارتفاع الأمان لما صحَّ الاستدلالُ من وجهٍ آخرَ، وهو أنَّ الحربيَّ إذا دخل دار الإسلام جاز استباحةُ ماله بغير عقدٍ، ولا يجوز استباحته بعقدٍ فاسدٍ. ثم نقول: ليس كل ما استبيح منهم بغير عقدٍ جاز أن يُستباح منهم بالعقد الفاسد، ألا ترى أن الفروج يجوز استباحتها منهم بالفيء من غير عقدٍ ولا يجوز استباحتها بعقد فاسد؟! فكذا الأموال، وإن جاز أن تُستباح منهم بغير عقد لم يجز أن تُستباح بالعقد الفاسد». (١)

وقال أبو بكر ابنُ العربيِّ المالكيُّ رحمه الله: «إنَّ ما يجوز أخذه بوجهٍ جائزٍ في الشرع من غلَّة وسرقة في سَريَّة، فأمَّا إذا أعطى من نفسه الأمانَ، ودخل دارهم؛ فقد تعيَّن عليه أَنْ يفيَ بألا يخونَ عهدَهم، ولا يتعرَّض لمالهم، ولا لشيءٍ من أمرهم، فإنْ جوَّز القومُ (٢) الرِّبا؛ فالشَّرع لا يُجوِّزه. فإن قال أحدٌ: إنَّهم لا يخاطبون بفروع الشريعة؛ فالمسلمُ مخاطبٌ بها». (٣)


(١) «الحاوي الكبير» ٥/ ٧٥.
(٢) يعني: الكفار.
(٣) «أحكام القرآن» [النساء: ١٦١] ١/ ٥١٤.

<<  <   >  >>