هو أبو الجراح عبد الله بن عيَّاش الهمداني المنتوف، وهو من الرواة النسَّابين، وكان عالماً بالمثالب شاعراً هجاء يتُقى لسانه. وقال المرزباني: هذا وهمٌ لأن ابن عياش هذا لم يرو له بيتٌ واحدٌ فيما أعلم، وإنما الشاعر سلمة بن عياش.
قال أبو جعفر المنصور للربيع: قُل لأبن عياش: إنْ كففت عن نتف لحيتك وصلتك. فقال ابن عيَّاش للربيع: قل له: لو ةوجدت لذَّة ذلك لعلمت أنه ألذ من الخلافة، فكيف أدعه من أجل صلتك؟! - قال: أراد محمد بن عليّ أن يتزوج ريطة بنت عبد الله الحارثية، فمنعه من ذلك الوليد ابن عبد الملك ثمّ سليمان بن عبد الملك لما كانوا يرونه من زوال الأمر عنهم على يد رجلٍ من بني العباس يقال له ابن الحارثية. فلمَّا ولي عمر بن عبد العزيز شكا إليه ذلك واستأذنه، فقال له: تزوج بمن أحببت! فتزوجها فولدت أبا العبَّاس السفاح.
ودخل معن بن زائدة - وكان دهرياً - على ابن عيَّاش يعوده، فلمَّا خرج من عنده رأى عجوزاً في ناحية الدار وبين يديها قدرٌ صغيرةٌ توقد تحتها، فقال معن متمثلاً طمن الطويل ":
وقدرٌ ككفِ القرد لامستعيرها ... يُعارُ ولا من ذاقها يتدسَّمُ
فسمعها ابن عيَّاش فقال: ياأبا الوليد، إنها من حلال وإن أهلها موحدون.
وقال ابن عياَّش: قال لنا المنصور: أخبروني عن خليفة جبَّار اوّل اسمه عينٌ قتل ثلاثة جبابرة أول أسمائهم عينٌ! قال: فقلتُ له: عبد الملك بن مروان قتل عمرو بن سعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمان بن محمد ابن الأشعث. قال: فخليفة أول اسمه عين فعل ذلك بثلاثة جبابرة أول أسمائهم عين! فقلت: أنت، ياأمير المؤمنين، عبد الله بن محمد، قتلت أبا مسلم واسمه عبد الرحمان وقتلت عبد الجبار وسقط على عمك عبد الله بن عليّ البيت! فضحك وقال: ويلك فما ذنبي إذا سقط البيت عليه؟! - وإنما أراد ابن عيَّاش أنك قتلت عمك، بنيت له بيتاً في أساس ملح فسقط عليه. فلم يُصرح ولكن عرض به لأن عمه كان خرج عليه.
وحضر بباب المنصور جماعة من أهل الكوفة فيهم ابن عيَّاش يطعنون على عاملهم ويتظلمون من أميرهم، فقال للربيع: أخرج وقُل لهم: إنّ أمير المؤمنين يقول لكم: إن اجتمع اثنان منكم في موضع لأحلقنَّ رؤسهما ولحاهما ولأضربن ظهورهما، فالزموا منازلكم وابقوا على أنفسكم! فخرج إليهم الربيع بهذه الرسالة، فقال له ابن عيَّاش: يا شبيه عيسى بن مريم، أبلغ أمير المؤمنين عنَّا كما أبلغتنا عنه وقل له: واللهِ مالنا بالضرب طاقةٌ فأما حلق اللحى فإذا شئت! وكان ابن عيَّاش منتوفاً، فأبلغه، فضحك وقال: قاتله الله ما أدهاه! - وكان يطعن على الربيع الحاجب في نسبه فيخدعه بقوله: فيك شبه من عيسى بن مريم! يعني ليس له أبٌ.
قال المنصور لابن عياش: لو تركت لحيتك فطالت، أما ترى عبد الله بن الربيع ما أحسنه! فقال: أنا أحسنُ منه! وحلف على ذلك. فقال ابن الربيع: انظر، ياأمير المؤمنين، إلى هذا الشيخ ما أجرأه على الله! فقال ابن عيَّاش: احلق لحيته وأجلسه إلى جنبي وانظر أينا أحسن! وقال ابن عيَّاش: حدثتث المنصور أنه كان بالكوفة رجلٌ يحدثُ عن بني إسرائيل وكان يتهم بالكذب، فقال له الحجَّاج بن خيثمة يوماً: ما اسم بقرة بني إسارئيل؟ فقال: خيثمة. فأسكته. وقال له رجلٌ من ولد أبي موسى الأشعري: في أي الكُتُب وجدت هذا؟ فقال: في كتاب عمرو بن العاص الذي خدع به أبا موسى. فأسكته أيضاً.
خطب المنصور بمكة وقد أمل الناس عطاءه، فقال: ياأيها الناس، إنما أنا سلطان الله في أرضه أسوسكم بتوفيقه وتسديده، وخازنه في فيئه أعمل فيه بمشيئته وأقسمه بإرادته، وقد جعلني الله قفلاً عليه، إذا شاء أن يفتحني فتحني، وإذا شاء أن يقفلني أقفلني، فارغبوا إلى الله، أيها الناس، في هذا اليوم الذي عرفكم من فضله ما أنزل به كتابه فقال جل اسمه (اليومَ أكملتُ لكُمْ دينَكمْ وأتممتُ عَلْيكم نِعْمتي ورضيتُ لَكُمُ الإسلامُ ديناً) ، وأسألم الله أن يوفقني للصواب ويسددني للرشاد ويلهمني الرأفة بكم والإحسان إليكم ويفتحني لأعطياتكم وقسم أرزاقكم، إنه قريبٌ مجيب. - فقال ابن عياش: أحال أمير المؤمنين على ربه عز وجل.
وقيل له: كان ألحنف بن قيس سيداً، قال: لاولكن كان شريفاً، وإنما السيد الباذل للمال. - قال رجلٌ لابن عيَّاش: لي إليك حاجةٌ صغيرة. فقال: اطلب لها صغيراً مثلها.