الْقَوْلِ فِي الْجَدِّ بِالِاجْتِهَادِ. وَإِنَّمَا أَرَادَا بِذَلِكَ، مَنْ تَقْصُرُ مَنْزِلَتُهُ عَنْ الْقَوْلِ فِيهِ، كَمَا قَالَ عُمَرُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ فِي شَيْءٍ ذَكَرَهُ لَهُ، أَنَّهُ أَفْتَى بِهِ، فَقَالَ لَهُ: لَوْ قُلْتَ غَيْرَ هَذَا لَأَوْجَعْتُك. وَأَمَّا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ شَاءَ بَاهَلْته أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى نَزَلَتْ بَعْدَ الطُّولَى، فَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُبَاهَلَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ خَالَفَهُ فِي تَارِيخِ السُّورَتَيْنِ، وَالصَّحَابَةُ لَمْ تُخَالِفْهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا خَالَفَهُ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي حُكْمِهِمَا، فَقَالَا بِاسْتِعْمَالِ الْآيَتَيْنِ، وَجَعَلَا عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا - إذَا كَانَتْ حَامِلًا - أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ، وَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ: أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] فَلَمْ تَكُنْ الْمُبَاهَلَةُ الْمَذْكُورَةُ هَهُنَا فِي تَأْوِيلِ الْآيَتَيْنِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا فِي تَارِيخِهِمَا، وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فِي تَارِيخِهِمَا، إلَّا أَنَّهُ دَعَا مَنْ خَالَفَهُ إلَى اعْتِبَارِ آخِرِهِمَا نُزُولًا، فِيمَا وَرَدَتْ فِيهِ دُونَ غَيْرِهَا، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] .
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ شَاءَ بَاهَلْته أَنَّ الْجَدَّ أَبٌ. فَإِنَّهُ مَوْضِعٌ يُوجِبُ الْمُبَاهَلَةَ لِمَنْ أَنْكَرَ مَا قَالَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ سَمَّى الْجَدَّ أَبًا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ} [الحج: ٧٨] وقَوْله تَعَالَى: {يَا آدَمَ} [البقرة: ٣٣] وَلَمْ يُوجِبْ الْمُبَاهَلَةَ لِمَنْ خَالَفَهُ فِي الْحُكْمِ، إنْ أَوْجَبَهَا لِمَنْ خَالَفَهُ فِي التَّسْمِيَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَلَا يَتَّقِي اللَّهَ زَيْدٌ فَإِنَّمَا نَبَّهَهُ بِهِ عَلَى وُضُوحِ الدَّلَالَةِ فِي إلْحَاقِ الْجَدِّ بِحُكْمِ الْأَبِ، وَهُوَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ ابْنِ الِابْنِ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِإِنْكَارٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَإِنَّمَا قَالَتْهُ عِنْدَنَا تَوْقِيفًا لَا اجْتِهَادًا، لِأَنَّ مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute