يَقُولُ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ. وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاجْتِهَادِ، لِأَنَّ فِيهِ إبَاحَةَ الِاجْتِهَادِ، وَالْحُكْمَ بِاسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ لِلْمُصِيبِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا.
فَإِنْ قِيلَ: رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ فِي سَفَرٍ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَاسْتَفْتَى جَمَاعَةً كَانُوا مَعَهُ فِي التَّيَمُّمِ، فَقَالُوا: مَا نَرَى لَك إلَّا الْغُسْلَ، فَاغْتَسَلَ، فَمَاتَ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَبَرُهُ، فَقَالَ قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللَّهُ، أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالَ؟» وَرُوِيَ فِي خَبَرِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ حِينَ «قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدِيَةِ الْجَنِينِ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ: كَيْفَ تَدِي مَنْ لَا أَكَلَ، وَلَا شَرِبَ، وَلَا صَاحَ، فَاسْتَهَلَّ. فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ فَقَالَ النَّبِيُّ: أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الْأَعْرَابِ وَقَضَى فِيهِ بِالْغُرَّةِ» ، فَكَانَ هَؤُلَاءِ مُجْتَهِدِينَ، وَلَمْ يَكُونُوا مَعْذُورِينَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الِاجْتِهَادِ.
قِيلَ لَهُ: نَحْنُ لَا نُجِيزُ الِاجْتِهَادَ مَعَ نَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَلَا مَعَ دَلِيلٍ قَائِمٍ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ. فَأَمَّا الْأَوَّلُونَ: فَإِنَّهُمْ أَشَارُوا عَلَى الْمَرِيضِ بِالْغُسْلِ مَعَ خَوْفِ التَّلَفِ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعًا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ.
أَلَا تَرَى: أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَمِعْت اللَّهَ يَقُولُ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩] فَرَضِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلَهُ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمْ ذَلِكَ. وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْآيِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute