وَاحْتَجُّوا أَيْضًا: بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ (قَالَ) : «وَأَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ» . قَالُوا: وَلَوْ كَانَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا، مَا هُنَاكَ أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْ أَحَدٍ. فَيُقَالُ لَهُ: إنَّ وُجُوهَ الدَّلَائِلِ فِي الْمَقَايِيسِ مُخْتَلِفَةٌ. فَمِنْهَا: مَا يُسَوَّغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَالْحَقُّ فِيهِ فِي جَمِيعِ أَقَاوِيلِ الْمُخْتَلِفِينَ. وَمِنْهَا: مَا يَكُونُ الْحَقُّ فِيهِ وَاحِدًا، لِوُجُودِ الدَّلَائِلِ (الْمَنْصُوصَةِ عَلَيْهِ) وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ النَّاسِ أَعْلَمَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ مِنْ بَعْضٍ، وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُهُمْ أَعْلَمَ بِدَلَالَاتِ الْقَوْلِ، وَمَا يَجُوزُ مِنْهُ مِمَّا لَا يَجُوزُ، وَأَعْلَمُ بِمَوَاضِعِ النُّصُوصِ مِنْ بَعْضٍ، فَلَيْسَ إذًا فِي كَوْنِ بَعْضِ النَّاسِ أَعْلَمَ مِنْ بَعْضِ مَا يَنْفِي صِحَّةَ قَوْلِنَا.
وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ قَوْلِ السَّلَفِ فِي أَنَّ الْحَقَّ فِي وَاحِدٍ: مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ قَالَ فِي الْكَلَالَةِ: (أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي، فَإِنْ يَكُ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ يَكُ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ. وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْهُ بَرِيئَانِ) . وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا اسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ (فِي أَمْرِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ يَتَحَدَّثُ إلَيْهَا، فَأَرْسَلَ إلَيْهَا فَأَفْزَعَهَا ذَلِكَ، وَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، فَقَالُوا: لَا شَيْءَ عَلَيْك، إنَّمَا أَنْتَ مُؤَدِّبٌ، وَعَلِيٌّ سَاكِتٌ فِي الْقَوْمِ، فَقَالَ لَهُ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا الْحَسَنِ؟ فَقَالَ: إنْ كَانَ هَذَا جَهْدُ رَأْيِهِمْ فَقَدْ أَخْطَئُوا، وَإِنْ كَانُوا قَارَبُوك فَقَدْ غَشُّوك، أَرَاك قَدْ ضَمِنْت، فَقَبِلَ قَوْلَهُ دُونَهُمْ، وَضَمِنَهُ) . فَقَدْ أَطْلَقَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْمَ الْخَطَأِ عَلَيْهِمْ فِي اجْتِهَادِهِمْ. وَبِمَا رُوِيَ (أَنَّ عُمَرَ قَضَى بِقَضِيَّةٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَصَبْت أَصَابَ اللَّهُ بِكَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَدْرِي أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ وَلَكِنِّي لَمْ آلُ عَنْ الْحَقِّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute