وَلم ير فِي زَمَاننَا أحسن من عِبَارَته على الْفَتْوَى، وَقَالَ التقى المقريزي أَنه لم يخلف فِي الْحَنَابِلَة بعده مثله. قَالَ وَلَا أعلم فِيهِ مَا يعاب، وَذكر نَحْو ذَلِك فِي عقوده وَأَنه لم يزل مُنْذُ قدم الديار المصرية مصاحبا لَهُ فِيمَا علمه إِلَّا صواما قواما صَاحب حَظّ من قيام وأوراد وأذكار وَاتِّبَاع للسّنة ومحبة لَهَا ولأهلها، وَصدر تَرْجَمته أَنه كَانَ أول حنبلي ولي الْقَضَاء حِين عمل الظَّاهِر بيبرس البندقداري الْقُضَاة أَرْبَعَة الشَّمْس مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي بل كَانَ أول من درس الْمَذْهَب الْحَنْبَلِيّ بالمدارس الصالحية وَأما قبله فَكَانَ فِي تَقْلِيد الشّرف أبي المكارم مُحَمَّد بن عبد الله ابْن عين الدولة بن أبي الْمجد بن عين الدولة الشَّافِعِي لقضاة مصرمن الْكَامِل أَنه لَا يَسْتَنِيب لِكَثْرَة نُسكه ومتابعته للسّنة إِلَّا أَنه ولي الْقَضَاء فَالله يرضى عَنهُ أخصامه وَأَشَارَ رَحمَه الله فِي كَلَامه إِلَى مَا قَالَ شَيخنَا حَيْثُ نقل عَن الْعِزّ الْكِنَانِي توَافق صَاحب التَّرْجَمَة مَعَ عَمه يَعْنِي الْآتِي بعده فِي اسْمه وَاسم أَبِيه وجده ومذهبه ومنصبه ومسكنه بالصالحية. قَالَ وفارقه فِي اللقب وأصل الْبَلَد وَالنِّسْبَة إِلَى الْجد الْأَعْلَى وَطول الْمدَّة وسعة الْعلم والتبسط فِي بيع الْأَوْقَاف وَنَحْو ذَلِك انْتهى. وَقد عرضت عَلَيْهِ بعض محفوظاتي وَكَذَا عرض عَلَيْهِ من قبلي الْوَالِد وَالْعم رحمهمَا الله وَاتفقَ فِي ذَلِك أَمر غَرِيب وَهُوَ أَنه كتب عرض كل مِنْهُمَا فِي ورقة كَامِلَة وعرضي بِهَامِش كِتَابَة غَيره وَلم يُصَرح فِي خطه بِالْإِجَازَةِ للأولين مَعَ طول كِتَابَته وكتبها لي مَعَ اختصاره وَلم يزل على جلالته ورياسته حَتَّى مَاتَ بعلة القولنج، وَكَانَ يَعْتَرِيه أَحْيَانًا ويرتفع لكنه فِي هَذِه الْعلَّة اسْتمرّ أَكثر من شَهْرَيْن ثمَّ قضى بعد أَن صلى الصُّبْح بِالْإِيمَاءِ يَوْم الْأَرْبَعَاء منتصف جُمَادَى الأولى سنة أَربع وَأَرْبَعين بِالْمَدْرَسَةِ المصورية من الْقَاهِرَة عَن ثَلَاث سبعين عَاما إِلَّا دون شَهْرَيْن وَصلى عَلَيْهِ فِي يَوْمه خَارج بَاب النَّاصِر تقدم النَّاس شَيخنَا وَدفن بتربة السلَامِي وتعرف الْآن بتربة البغاددة بِالْقربِ من تربة الْجمال الأسنائي وَلم يغب لَهُ ذهن رَحمَه الله، وَاسْتقر بعده فِي الْقَضَاء الْبَدْر الْبَغْدَادِيّ وَفِي المؤيدية الْعِزّ الْكِنَانِي وَفِي بقيتها ابْنه يُوسُف، وَوَقعت لشَيْخِنَا)
اتفاقية غَرِيبَة فَإِنَّهُ قَالَ كنت أنظر فِي لَيْلَة الْأَحَد ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى فِي دمية الْقصر للباخرزي فمررت فِي تَرْجَمَة المظفر بن عَليّ أَن لَهُ هَذِه الأبيات الْمُلْتَزم فِيهَا النُّون ثمَّ الْمُوَحدَة قبل اللَّام يرثي بهَا وَهِي:
(بلاني الزَّمَان وَلَا ذَنْب لي ... بلَى إِن بلواه للأنبل)
(وَأعظم مَا سَاءَنِي صرفه ... وَفَاة أبي يُوسُف الْحَنْبَلِيّ)
(سراج الْعُلُوم وَلَكِن خبا ... وثوب الْجمال وَلَكِن بلَى)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute