سنة ثَمَان وَسبعين وسِتمِائَة فِي الْمحرم: قرر الخاصكية مَعَ الْملك السعيد الْقَبْض على الْأُمَرَاء عِنْد عودهم من سيس وعينوا إقطاعتهم لِأُنَاس مِنْهُم وَكَانَ الْأَمِير كوندك النَّائِب مطلع على ذَلِك. واستغرق السُّلْطَان فِي لذاته وَبسط يَده بعطاء الْأَمْوَال الْكَثِيرَة لخاصكيته وَخرج عَن طَريقَة أَبِيه وَفِي أثْنَاء ذَلِك حدث بَين الْأَمِير كوندك النَّائِب وَبَين الخاصكية منافرة بِسَبَب أَن السُّلْطَان أطلق لبَعض السِّكَّة ألف دِينَار فتوقف النَّائِب فِي إِطْلَاقهَا فَاجْتمع الخاصكية عِنْد النَّائِب وقاضوه فِي أَمر الْمبلغ وأسمعوه مَا يكره وَقَامُوا على حرد وَتَكَلَّمُوا مَعَ السُّلْطَان فِي عَزله عَن النِّيَابَة فَامْتنعَ وَأخذ الخاصكية فِي الإلحاح عَلَيْهِ بعزل كوندك وَعجز عَن تلافي أَمرهم مَعَه. وَأما الْأُمَرَاء فَإِنَّهُم غزوا سيس وَقتلُوا وَسبوا وَسَار الْأَمِير بيسري إِلَى قلعة الرّوم وَعَاد هُوَ والأمراء إِلَى دمشق ونزلوا بالمرج فَخرج الْأَمِير كوندك إِلَى لقائهم على الْعَادة وَأخْبرهمْ. مِمَّا وَقع من الخاصكية فِي حَقهم وَحقه فحرك قَوْله مَا عِنْدهم من كوامن الْغَضَب وتحالفوا على الِاتِّفَاق والتعاون وبعثوا من المرج إِلَى السُّلْطَان يعلمونه إِنَّهُم مقيمون بالمرج وَأَن الْأَمِير كوندك شكي إِلَيْهِم من لاجين الزيني شكاوى كَثِيرَة وَلَا بُد لنا من الْكَشْف عَنْهَا وسألوا السُّلْطَان أَن يحضر إِلَيْهِم فَلَمَّا بلغ بذلك السُّلْطَان ذَلِك لم يعبأ بقَوْلهمْ وَكتب إِلَى من مَعَهم من الْأُمَرَاء الظَّاهِرِيَّة يَأْمُرهُم. بمفارقة الصالحية وَدخُول دمشق. فَوَقع القاصد الَّذِي مَعَه الْكتب فِي يَد أَصْحَاب كوندك فأحضر إِلَى الْأُمَرَاء ووقفوا على الْكتب الَّتِي مَعَه فرحلوا من فورهم ونزلوا على الجورة من جِهَة داريا وأظهروا الْخلاف ورموا الْملك السعيد بِأَنَّهُ قد أسرف وأفرط فِي سوء الرَّأْي وأفسد التَّدْبِير. فخاف السُّلْطَان عِنْد ذَلِك سوء الْعَاقِبَة وَبعث إِلَيْهِم الْأَمِير سنقر الْأَشْقَر والأمير سنقر التكريتي الأستادار ليلطفا بهم ويعملا الْحِيلَة فِي إحضارهم فَلم يوافقوا على ذَلِك. وعادا إِلَى السُّلْطَان فَزَاد قلقه وترددت الرُّسُل بَينه وَبَين الْأُمَرَاء فاقترحوا عَلَيْهِ إبعاد الخاصكية فَلم يُوَافق وَبعث السُّلْطَان بوالدته مَعَ الْأَمِير سنقر الْأَشْقَر لتسترضيهم فحدثتهم وخضعت لَهُم فَمَا أَفَادَ فيهم ذَلِك شَيْئا وعادت بالخيبة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute