وَصَارَ مَعَ هَذَا جَمِيع الْحل وَالْعقد وَالْأَمر وَالنَّهْي لأَصْحَابه الَّذين قدمُوا مَعَه فنفرت قُلُوب البحرية مِنْهُ وَاتَّفَقُوا على قَتله وَمَا هُوَ إِلَّا أَن مد السماط بعد نُزُوله بفارسكور فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشري الْمحرم وَجلسَ السُّلْطَان على عَادَته تقدم إِلَيْهِ وَاحِد من البحرية - وَهُوَ بيبرس البندقداري الَّذِي صَار إِلَيْهِ ملك مصر - وضربه بِالسَّيْفِ: فَتَلقاهُ الْمُعظم بِيَدِهِ فَبَانَت أَصَابِعه والتجأ إِلَى البرج الْخشب الَّذِي نصب لَهُ بفارسكور وَهُوَ يَصِيح: من جرحني. قَالُوا: الحشيشة فَقَالَ: لَا وَالله إِلَّا البحرية! وَالله لَا أبقيت مِنْهُم بَقِيَّة واستدعى المزين ليداوي يَده. فَقَالَ البحرية بَعضهم لبَعض: تمموه وَإِلَّا أبادكم فَدَخَلُوا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ. ففر الْمُعظم إِلَى أَعلَى البرج وأغلق بَابه وَالدَّم يسيل من يَده فأضرموا النَّار فِي البرج ورموه بالنشاب فَألْقى نَفسه من البرج وَتعلق بأذيال الْفَارِس أقطاي واستجار بِهِ فَلم يجره وفر الْمُعظم هَارِبا إِلَى الْبَحْر وَهُوَ يَقُول: مَا أُرِيد ملكا دَعونِي أرجع إِلَى الْحصن يَا مُسلمين مَا فِيكُم من يصطعني ويجيرني هَذَا وَجَمِيع الْعَسْكَر واقفون فَلم يجبهُ أحد والنشاب يَأْخُذهُ من كل نَاحيَة. وسبحوا خَلفه فِي المَاء وقطعوه بِالسُّيُوفِ قطعا حَتَّى مَاتَ جريحاً حريقاً غريقاً وفر أَصْحَابه واختفوا. وَترك الْمُعظم على جَانب الْبَحْر ثَلَاثَة أَيَّام منتفخاً لَا يقدر أحد أَن يتجاسر على دَفنه إِلَى أَن شفع فِيهِ رَسُول الْخَلِيفَة فَحمل إِلَى ذَلِك الْجَانِب وَفِي فن فَكَانَت مُدَّة ملكه أحدا وَسبعين يَوْمًا. وَقيل مرّة لِأَبِيهِ فِي الْإِرْسَال إِلَيْهِ ليحضر من حصن كيفا إِلَى مصر فَأبى وألح عَلَيْهِ الْأَمِير حسام الدّين أَبُو عَليّ فِي طلب حُضُوره فَقَالَ: مَتى حضر إِلَى هُنَا قتلته. وَكَانَ الْمُبَاشر لقَتله أَرْبَعَة من مماليك أَبِيه وَكَانَ الْملك الصَّالح نجم الدّين لما أَرَادَ أَن يقتل أَخَاهُ الْعَادِل قَالَ الطواشي محسن: اذْهَبْ إِلَى أخي الْعَادِل فِي الْحَبْس وَخذ مَعَك من المماليك من يخنقه فَعرض محسن ذَلِك على جمَاعَة من المماليك وَكلهمْ يمْتَنع إِلَّا أَرْبَعَة مِنْهُم فَمضى بهم حَتَّى خنقوا الْعَادِل. فَقدر الله أَن هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة هم الَّذين باشروا قتل ابْنه الْمُعظم أقبح قتلة. وَرُوِيَ فِي النّوم الْملك الصَّالح نجم الدّين بعد قتل ابْنه الْملك الْمُعظم تورانشاه وَهُوَ يَقُول: لم يراعوا فِيهِ إِلَّا لَا وَلَا من كَانَ قبله ستراهم عَن قريب لأَقل النَّاس أكله فَكَانَ مَا يَأْتِي ذكره من الْوَاقِعَة بَين المصريين والشاميين بَين الْمعز أيبك والناصر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute