والقدرية والرتبة
وَإِذا بَطل بِمَا قدمْنَاهُ مَا سنذكر من إبِْطَال الْجِهَة فِي حق الرب تَعَالَى تعين أَن المُرَاد فوقية الْقَهْر وَالْقُدْرَة والرتبة وَلذَلِك قرنه بِذكر الْقَهْر كَمَا قدمنَا
وَيدل على مَا قُلْنَاهُ أَن فوقية الْمَكَان من حَيْثُ هِيَ لَا تَقْتَضِي فَضِيلَة لَهُ فكم من غُلَام أَو عبد كَائِن فَوق مسكن سَيّده وَلَا يُقَال الْغُلَام فَوق السُّلْطَان أَو السَّيِّد على وَجه الْمَدْح إِذا قصد الْمَكَان لم يكن فِيهِ مدحه بل الْفَوْقِيَّة الممدوحة فوقية الْقَهْر وَالْغَلَبَة والرتبة وَلذَلِك قَالَ تَعَالَى {يخَافُونَ رَبهم من فَوْقهم} لِأَنَّهُ إِنَّمَا يخَاف الْخَائِف من هُوَ أَعلَى مِنْهُ رُتْبَة ومنزلة وأقدر عَلَيْهِ مِنْهُ فَمَعْنَاه يخَافُونَ رَبهم الْقَادِر عَلَيْهِم القاهر لَهُم وَحَقِيقَته يخَافُونَ عَذَاب رَبهم لِأَن حَقِيقَة الذَّات المقدسة لَا تخَاف وَإِنَّمَا الْمخوف فِي الْحَقِيقَة عَذَابه وبطشه وإنتقامه وَإِذا ثَبت ذَلِك فَلَا جِهَة
وَله وَجه آخر وَهُوَ أَن يكون {من فَوْقهم} مُتَعَلقا بِعَذَاب رَبهم الْمُقدر وَيُؤَيِّدهُ قَوْله تَعَالَى {قل هُوَ الْقَادِر على أَن يبْعَث عَلَيْكُم عذَابا من فَوْقكُم} الْآيَة
فقد بَان بِمَا ذَكرْنَاهُ أَن المُرَاد بالفوقية فِي الْآيَات الْقَهْر وَالْقُدْرَة والرتبة أَو فوقية جِهَة الْعَذَاب لَا فوقية الْمَكَان لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute