للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

"سلمنا: أن ذلك" أي: عمل البَعْض "من غير نكير دليل، ولا نسلم نفي الإِنكار"، فلقد روى أن أبا بكر قال في الكَلالَةِ (١): أيّ سماء تُظِلّني، وأي أرض


= ومن ذلك أن ابن عباس أنكر على زيد بن ثابت قوله: إن الجد لا يحجب الإخوة فقال: "ألا يتقي الله زيد بن ثابت؛ يجعل ابن الابن ابنًا ولا يجعل أب الأب أبًا" اهـ. وحاصله أنه أقر زيدًا على قياس ابن الابن على الابن في حجبه الأخ؛ بجامع أن كلًّا منهما فرع عاصب، وأنكر عليه أنه لم يقس أب الأب على الأب في حجبه الأخ؛ بجامع أن كلًّا منهما أصل عاصب، وهذا من ابن عباس قول بالقياسين جميعًا.
ومن ذلك أن عمر قال لعثمان: "إني قد رأيت في الجد رأيًا، فإن رأيتم أن تتبعوه فاتبعوه فقال عثمان: نتبع رأيك فإنه رشد، وإن نتبع رأي الشيخ قبلك فنعم ذو الرأي كان" اهـ والرأي هنا هو القياس. وكان أبو بكر يجعل الجد أبًا، وهو المراد بالشيخ في هذا الأثر.
(١) كثر أقوال الصحابة في تفسير الكلالة، واختيار أبي بكر الصديق أنها عبارة عمن سوى الوالدين والولد، وهذا هو المختار والقول الصحيح، وأما عمر فإنه كان يقول: الكلالة من سوى الولد، وروي أنه لما طعن قال: كنت أرى أن الكلالة من لا ولد له، وأنا أستحي أن أخالف أبا بكر، الكلالة من عدا الوالد والولد، وعن عمر فيه رواية أخرى، وهي التوقف، وكان يقول: ثلاثة لأن يكون بيّنها الرسول لنا أحب إلى من الدنيا وما فيها: الكلالة، والخلافة، والربا. والذي يدل على صحة قول الصديق وجوه: الأول: التمسك باشتقاق لفظ الكلالة، وفيه وجوه:
الأول: يقال: كلت الرحم بين فلان وفلان: إذا تباعدت القرابة، وحمل فلان على فلان ثم كل عنه: إذا تباعد، فسميت القرابة البعيدة كلالة من هذا الوجه.
الثاني: يقال: كل الرجل يكل كلًّا وكلالة: إذا أعيا وذهبت قوته، ثم جعلوا هذا اللفظ استعارة من القرابة الحاصلة لا من جهة الولادة، وذلك لأنا بينا أن هذه القرابة حاصلة بواسطة الغير، فيكون فيها ضعف، وبهذا يظهر أنه يبعد إدخال الوالدين في الكلالة؛ لأن انتسابهما إلى الميت بغير واسطة.
الثالث: الكلالة في أصل اللغة عبارة عن الإحاطة، ومنه الإكليل لإحاطته بالرأس، ومنه الكل لإحاطته بما يدخل فيه، ويقال: تكلل السحاب إذا صار محيطًا بالجوانب، إذا عرفت هذا فنقول: من عدا الوالد والولد إنما سموا بالكلالة؛ لأنهم كالدائرة المحيطة بالإِنسان، وكالإكليل المحيط برأسه: أما قرابة الولادة فليست كذلك؛ فإن فيها يتفرع البعض عن البعض، ويتولد البعض من البعض، كالشيء الواحد الذي يتزايد على نسق واحد، ولهذا قال الشاعر: =

<<  <  ج: ص:  >  >>